والجهاز الهضمي من أوله إلى آخره أنبوب مجوف إلا أنه يضيق في مواضع مثل المريء، ويتسع في مواضع مثل المعدة ... وهو على الحقيقة الجوف المقصود في الصيام، إذ هو موضع الطعام والشراب وكل ما يدخل إلى الجهاز الهضمي متجاوزًا الفم والبلعوم يكون سببًا للإفطار ومفسدًا للصيام وذلك في نهار رمضان (أو نهار الصيام إذا كان من غير رمضان) ولا بد أن يكون الشخص عامدًا فالناسي ليس مفطرًا، وإنما أطعمه الله وسقاه كما جاء في الحديث الشريف (١) ولا يشترط أن يكون ما دخل الجوف (المقصود الجهاز الهضمي) طعامًا أو شرابًا فقط، وإنما يدخل في ذلك الدواء بل والدخان.
وهناك خلاف بين الفقهاء حول الدخان (المقصود أي دخان) ولا بد من إدخاله عمدًا وتجاوزه الفم إلى البلعوم (الحلق) وقد يصل إلى الحلق (المقصود البلعوم) عن طريق الأنف بواسطة صلة البلعوم الأنفي بالبلعوم ... فكل ما دخل إلى الأنف من السوائل وغيرها ووصل إلى الحلق (البلعوم) وابتلعه الإنسان يعتبر مفسدا للصيام عند جمهور الفقهاء.
ومن المعلوم أن هناك قناة ما بين العين والأنف، فإذا وضع الإنسان قطرة في عينه فإنها تصل إلى الأنف، ومن الأنف قد تصل إلى البلعوم، ولذا اعتبرها كثير من الفقهاء مسببة للإفطار ومفسدة للصيام.
وهناك فتحة في الأذن الوسطى وتتصل بقناة أستاكيوس التي تصل إلى البلعوم وتعرف بالقناة البلعومية السمعية، ولكن الأذن الخارجية (وتشمل الصيوان وقناة السمع الخارجية) تفصلها عن الأذن الوسطى الطبلة وهي غشاء جلدي. ولهذا فإن إفرازات الأذن الخارجية أو وضع قطرات من الدواء أو الماء أو أي سائل في الأذن الخارجية لا تصل إلى الأذن الوسطى، وبالتالي لا تصل إلى القناة السمعية البلعومية (قناة أستاكيوس) إلا إذا كانت طبلة الأذن مخروقة.
وفي الحالات العادية فإن وضع عود في الأذن أو وضع قطرة دواء في الأذن أو نقطة من ماء فإنها لا تصل إلى الأذن الوسطى، وبالتالي لا تصل إلى البلعوم إلا عن طريق المسام الموجودة في الطبلة، وبما أن الطبلة تشبه الجلد فتأخذ حكمه ... ولا يوجد من يقول: أن وضع الماء على الجلد يسبب الإفطار.
ولهذا من يقول من الفقهاء بأن إدخال عود أو وضع قطرة من الدواء في الأذن (والطبلة غير مخروقة) مفسد للصيام لا حجة له في ذلك. أما إذا كانت الطبلة مخروقة وبالتالي يمكن وصول قطرات إلى البلعوم، فإن هناك وجه لهذا القول، وإن كان ما يصل إلى البلعوم منها ضئيل جدًّا، وربما كان أقل مما يصل إلى البلعوم بعد المضمضة بغير مبالغة.
(١) عن أبي هريرة يرفعه: (من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) رواه الجماعة. وفي رواية الدارقطني: (إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه) .