تمردت وسائل الإعلام في عصرنا هذا، عن وظيفتها الأساسية التي هي وسيلة تيسير إيصال المعلومات إلى الإنسان بصدق إلى قوة غازية تثير - حسبما سطر لها المتحكمون فيها والموجهون لها - التفاعل إلى الحد الذي يرغبون في بلوغه من الإثارة، أو تنوم العواطف والمشاعر والعقول حسب المقدار المسطر إلى أن يسقط في هوة النسيان أو التعتيم.
فأصبحت البشرية من سحرها الغلاب في كثير من القضايا ترضى بالباطل وتعتقد أنه الحق، وترفض الحق معتقدة أنه الباطل والإثم والضلال المبين، وتشكلت الحقائق بالمظهر الذي يبدو من الزاوية التي يرغبون أن ينظر منها المغزوون. وهذا السلطان أعان على بلوغه الشاشة الصغيرة، باعتمادها نقل المشاهد مقرونة بالخبر، فتجاوزت وسائل الإعلام المحدودة بطبيعتها، فإذا كانت الكتب تعمل على التأثير في القراء الذين لهم مستوى ثقافي ومران أكسبهم حب القراءة، وإذا كانت الجرائد والمجلات لها قاعدة أوسع من الكتاب، فإن التلفزة لا تعرف حدًّا، وتصل بواسطة البصر والأذن إلى كل مبصر وسامع، بل لغة المشاهد الحية تعوض إلى حد جهل الناظر باللغة التي تصحب المعلومات المرسلة، والمنتقاة بطريقة بارعة لتحقيق رد الفعل المرغوب فيه عند المشاهد.
أثر الإعلام بالاستنساخ
ظهرت (دولي) سخلة عمرها سبعة أشهر نشيطة الحركة مرفوعة الرأس مصحوبة صورتها، بأنها طريقة تمت للمرة الأولى في عمر الكون معلنة عن مرحلة سوف تتبعها تطورات لاحقة على هذه السبيل في التكاثر أو في توالد أجيال الأحياء، بوسائل الإعلام المتنوعة قد تكون صورة (دولي) اليوم أعرف من العلماء الذين قاموا بالتجربة وأعلنوا نجاحهم فيها، وتخيروا لها الوضع والزاوية والضوء حتى تكون الصورة مقبولة، لا شعوريًّا من المتابعين للخبر، وأضافوا إلى ذلك تسميتها باسم (دولي) المغنية النجمة الأمريكية ذات الصدر الخصب، بما أنها أخذت من ضرع بَرُزَ واحتقن.
وعقب ذلك هزة عظيمة واضطراب في تحديد الموقف الذي ينبغي أن يقفه العالم من هذه التجربة التي هي الحلقة الأولى في سلسلة التجارب التي ربما سترتفع من النعجة والقرد إلى الإنسان. وانقسمت ردود الفعل الأولى بين مصفق للنجاح وبين رافض له، فصدرت فتوى بأن الذين يقومون بهذه التجارب مفسدون في الأرض، يجب أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، هذا أدنى عقوبة لهم، وإلا فيجب إعدامهم (١)