وبجانب إحياء القيم الدينية لا بد من رادع يحرم على كل مؤمن أو كافر أن يفسد على الإنسانية حياتها وقيمها وعلاقاتها الاجتماعية، ويهدم ما بنته الإنسانية في عشرات القرون، فظنت أنها أمنت الإنسان على كرامته، وأقامت المنظمات تحرس حقوقه وحقوق المرأة وحقوق الطفل، فيكون العبث بهذا الهرم الحضاري عداء للإنسانية على الأمم والدول أن تحمي نفسها باستصدار ميثاق ملزم توقع عليه كل الدول معتبرة كل من يعمل على الاستنساخ أو التوأمة من الباحثين أو المؤسسات مجرما ضد البشرية تأخذه أحكام وتبعات ذلك أينما حل في أرض الله.
هذا وقد أخذت البشرية بحمد الله تقوم بالدفاع عن نفسها من هذا الخطر الذي هو الابن غير الشرعي لحضارة السوق، فإنه بمجرد ما تم الإعلان عن بلوغ (دولِّي) شهرها السابع وانتشرت صورتها في أرجاء العالم حتى سبق البرلمان النرويجي فأصدر قانونًا وافق عليه ٨٨ نائبًا من مجموع تسعين، يمنع منعًا باتًّا إجراء التجارب أو القيام باستنساخ الإنسان أو أحد أعضائه الرفيعة التطور، وكذلك رئيس الجمهورية الفرنسية فقد دعا في نفس اليوم المجلس الاستشاري القومي للأخلاق، وطلب منه أن يدرس القانون الفرنسي ليطمئن على سلامته من وجود ثغرات يمكن للباحثين الفرنسيين أن يقوموا في يوم من الأيام بالاستنساخ البشري، وبعد أن اتصل بتقريرهم يوم ٢٩ إبريل ١٩٩٧ أعلن أنه يعتقد أن الاستنساخ الإنساني هو تعدٍّ مهين للكرامة الإنسانية وأنه لا بد من العمل على منع القيام به على النطاق العالمي، وأنه سيكون المثير لهذا التوجه والمدافع عنه في اجتماع الدول السبع الأكثر غنى في العالم في اجتماعهم القادم في آخر شهر جوان - بدنفار - بالولايات المتحدة الأمريكية.
فعلى وسائل الإعلام الشريفة أن تمضي في هذه السبيل حتى يصدر ميثاق المنع العالمي.
الدائرة الثانية: تدخل الإنسان في الحقيبة الوراثية
إن ما خط من برنامج حياة الكائن في الكروموزومات لم يفصح عن كل محتواه وأسراره لحد الآن، وما يزال العلماء يتعاونون في هذا الميدان، وفي حدود علمي فإنهم وصلوا إلى قراءة بعض ما هو مسجل من استعدادات كامنة قابلة للظهور في المستقبل، وأنهم يتوقعون أنه يمكنهم التأثير فيما قرؤوه فعرفوه، وهذا التأثير منه ما هو من باب الوقاية كما لاحظوه في بعضها من استعداد للتحول إلى فوضى سرطانية والتدخل لحماية الإنسان باكرًا مشروعة.
وقد يكون التدخل لتغيير صورة الإنسان كلَوْنِ جلده أو شكل شعره تبعًا لرغبة الأبوين، وأرجح أن هذا من باب الاعتداء على حرية الإنسان في حال قصوره عن التعبير عن اختياراته في ميدان لا ضرر عليه فيه، وأن ذلك غير جائز.
ولما كانت البحوث لم تستكمل بعد، وأن التدخل في ميدان دقيق كهذا أو انزلاق الإبرة المكروسكوبية غير مأمون؛ فإن الذي أطمئن إليه أن لا نتعجل ولا نحكم على الشيء قبل تصوره في ذاته، وتصور السلاسل المترتبة عن ولوج هذا النوع من التأثير.