وقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حددها أن هذه الحدود هي مواقيت لأهل تلك الجهات، ولمن أتى عليهن من غير أهلن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك (أي من كان مقامه في موضع يقع بين أحد هذه المواقيت وبين مكة) فإنه يحرم من مقامه ذاك، حتى إن أهل مكة يهلون من مكة. (أخرجه البخاري في باب مهل أهل مكة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم في مواقيت الحج والعمرة، وأبو داود والنسائي في ميقات أهل اليمن، كما نقله غيرهم من أئمة الحديث) .
وواضح أن حديث المواقيت هذا لا يشمل بالنص إلا أهل تلك المواقيت، ومن مر بها فقط. فليس فيه شيء عمن لا يمر فعلا بأحدها ولكنه حاذى من قريب بعض تلك المواقيت. فإلحاق المحاذاة بالمرور إنما تقرر بالاجتهاد، فقد روى أئمة الحديث أن عمر رضي الله عنه هو الذي حدد ذات عرق ميقاتا لأهل العراق، لمحاذاتها قرن المنازل، اجتهادا منه، وذلك بعد فتح العراق. فقد روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " لما فتح هذان المصران – الكوفة والبصرة – أتوا عمر بن الخطاب فقالوا: يا أمير المؤمنين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا، وأنه جور عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرنًا شق علينا؟ قال: فانظروا حذوها عمن طريقكم. قال: فحد لهم ذات عرق. وروى الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم عن ابن جريح عن ابن طاوس عن أبيه، قال:((لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل مشرق، فوقت الناس ذات عرق)) . وروى الشافعي أيضًا مثل ذلك عن أبي الشعثاء (ر: الأم: ٢/١١٨) وهناك من الأئمة من يرى أن تحديد ذات عرق مهلا لأهل المشرق وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس اجتهادا من عمر رضي الله عنه، ويوردون أحاديث في ذلك. ولكن جمهور أهل الحديث يقررون أن الأحاديث التي ورد فيها النص على ذات عرق ميقاتا لحرام أهل المشرق كلها ضعيفة لا تنهض حجة. فالصحيح عندهم أن هذا التحديد لأهل العراق والمشرق إنما هو اجتهاد من عمر، أخذا بالمحاذاة السمتية لأقرب ميقات إلى جهتهم. (ر: المجموع: ٧/١٩١ – ونيل الأوطار: ٤/٣٣٢) .