وقد رأينا آنفًا قول الشاطبي:" إنه لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ... وأنه لا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا يعرفونه، وأن هذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب ".
فاجتهاد عمر رضي الله عنه في إلحاق المحاذاة لا يمكن أن يتجاوز الأصل، فكما أن النص الأصلي، وهو حديث المواقيت معناه المرور بالميقات فعلا على سطح الأرض، فإن المحاذاة التي ألحقها به عمر معناها المحاذاة ممن يمر حذو الميقات المرور المعتاد على سطح الأرض؛ ذلك لأن المقيس لا يمكن أن يعطي أكثر من حكم المقيس عليه. فإذا كان نص الحديث النبوي لا يتناول القدوم جوًا مما لم يكن في حسبان أهل اللسان ولا معهودهم، فكذلك المحاذاة الملحقة بطريق القياس والاجتهاد لا تطبق على طريق الجو الذي لم يكن يتصوره عمر نفسه صاحب هذا الاجتهاد القياسي.
إنني أخلص من جميع ما تقدم بيانه إلى أن القادمين اليوم بطريق الجو في الطائرات لحج أو عمرة لا يشملهم تحديد المواقيت الأرضية التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في الجو. فهي حالة قد سكت عنها النص؛ لأنها لم تكن في التصور أصلاً، كما سكت عن القادمين من الجهة الغربية إذ لم يكن إذ ذاك مسلمون يقدمون من أفريقية من وراء البحر، ولا من مصر. أما الشام فإنه وإن لم يكن فيه مسلمون إذ ذاك قد كانت تجارة قريش وعرب الحجاز قائمة مع الشام في رحلة الصيف، فقد يعودون منه قاصدين حجًا أو عمرة، فلذا حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم للقادمين من الشام الجحفة ميقاتًا لهم، كما أسلفنا بيانه.