أما المالكية فقالوا: هذه المواقيت معتبرة بأنفسها لا بأسمائها. فإذا كان الميقات قرية فخربت أو انتقلت عمارتها واسمها إلى موضع آخر كان الاعتبار بالأول؛ لأن الحكم تعلق به، فمتى مر بميقات من هذه المواقيت وجب عليه الإحرام منه، فإن جاوزه بدون إحرام حرم ولزمه دم، إلا إذا كان ميقات جهته أمامه يمر عليه فيما بعد، فإن كان كذلك ندب له الإحرام من الأول فقط، فإن لم يحرم منه فلا أثم عليه ولا دم وخالف المندوب.
وهذا كله فيما كان خارجا عن هذه المواقيت، وأما من كان بينها فميقاته من بيته، ومن كان بمكة من غير أهلها وأراد الإحرام بالحج صح إحرامه من مكة بلا إثم ولكن يندب له أن يخرج إلى ميقات ليحرم منه إن كان الوقت متسعا وأمن على نفسه وماله لو خرج، وإلا فلا يندب له الخروج.
أما من حج في البحر من أهل مصر وشبههم فليحرم إذا حاذى الجحفة هذا ما أقره جل السادة المالكية، خلافا على ما جاء عن بعض منهم حيث يرون الأفضل تأخير الإحرام حتى بلوغ سواحل جدة، ويرى في هذا الرأي الأخير تجاوز الميقات.
أما حكم الإحرام في الطائرة فإن حكمه حكم الإحرام في الباخرة، فإذا أمكن للحاج أن يحاذي ميقاته أحرم وإن وجد مشقة في الإحرام داخل الطائرة وفي تحديد مكان الميقات (كما هو الحال في معظم الطائرات) وخاف مجاوزة الميقات دون إحرام، فإنه يحرم قبل ركوبه الطائرة؛ لأن أمر الإحرام قبل الميقات أخف من الإحرام بعده، حيث إن الأول مكروه على المذهب المالكي، والثاني يوجب الهدي والإثم في بعض الحالات، كما مر في سياق هذا البحث.