للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الآيات البينات من القرآن الكريم تقتضي أن يجتمع المؤمنون تحت لواء الله، وأن ينبذوا الأحقاد التاريخية، والنزاعات القبلية، والأطماع الشخصية، والرايات العنصرية، وقد رأينا تحقق النتائج العظيمة لقيام هذه الوحدة في الرعيل الأول من المسلمين أيام قوتهم وعزتهم وإبداعهم وتأسيس حضارتهم، وصف ذلك الدعاة والمصلحون في حديثهم عن الوحدة الإسلامية. ونوه بذلك الأستاذ الإمام محمد عبده في قوله:

وإنها لأمة أنشأها الله عن قلة ورفع شأنها إلى ذروة العلا حتى ثبتت أقدامها على السنن الشامخة، وانشقت لهيبتها مراحل الضاريات، ودب الرعب منها أعشار القلوب، وتحير في ثباته كل عقل، واهتدى إلى السبب أهل الحق فقالوا: أول كانوا مع الله فكان الله معهم. وبما انحرفوا وتخاذلوا وحادوا عن الاستقامة بالرأي وتفرقت جماعتهم وغفلوا عن السنن العادلة والنواميس الثابتة أخذهم الله بذنوبهم وجعلهم عبرة للمعتبرين، ولكن فضل الله عظيم ورحمته واسعة لأن الميل للوحدة والتطلع للزيادة وصدق الرغبة في حفظ حوزة الإسلام، كل هذه الصفات كامنة في نفوسهم جميعًا، وهم وإن دهاهم ما دهاهم فألهاهم عما يوحي به الدين في قلوبهم وأذهلهم أزمانًا عن سماع صوت الحق يناديهم من بين جوانحهم أرادوا الأوبة إلى الله والثوبان إلى الرشد، حتى إذا بدأت تسري في جموعهم روح اليقظة وتطلعوا للقيام بانطلاقة جديدة تعيد لهم عقيدتهم وتصوراتهم ومبادئهم وقيمهم، وتفقدوا ما في مداخل قلوبهم من بقايا الإيمان والهدى الديني، رجعت إليهم الآمال. وأشرقت نفوسهم بالبشر وأدركوا أنهم سهوا وما غووا، وزلوا ما ضلوا، ولكن دهشوا وتاهوا.

وفي مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بمكة المكرمة، فيما بين ١٩ - ٢٢ ربيع الأول سنة ١٤٠١هـ دعا جلالة الملك الراحل خالد بن عبد العزيز، رحمه الله، الأمة الإسلامية وفقهاءها وعلماءها أن يجندوا أنفسهم، ويحشدوا طاقاتهم في سبيل مواجهة معطيات تطور الحياة المعاصرة، ومشكلاتها بالاجتهاد والاسترشاد بالعقيدة، وما تضمنته من مبادئ خالدة قادرة على تحقيق مصلحة الإنسان الروحية والمادية في كل زمان ومكان.

<<  <  ج: ص:  >  >>