للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أن الدين العالمي المتدخل لو كان يعترف بقانونين وسلطانين ووطنين أحدهما للدين والآخر للدولة، فما أبعده عن الواقع، ولكن الإسلام وهو الدين العالمي المنظم لشؤون الإنسان على ضوء علم وحكمة إلهيين واسعين، لا يسمح بقيام نظام وسلطة أخرى إلى جنب سلطته وحكومته، وإلا ألقى الإنسان في تناقض مع نفسه، كما فعلت المسيحية المحرفة بتدخلها القليل في شؤون الإنسان واعترافها بالنظم المدنية.

إن الإسلام يعتبر نفسه هو الحاكم وهو المسيطر، وهو المطاع وهو الموجه لشؤون الحياة، كما ستأتي بعض النصوص في ذلك، وهو الذي يربط بين شؤون الدنيا والآخرة ربطًا تامًا، حتى إنه دعا لأن تكون الحياة بمفهومها الواسع عبادة وقربة إلى الله، فلا معنى للقول بعد ذلك بأن هذا من أمور الدنيا وذاك من أمور الآخرة، وهذا من أمور الدين، وذلك من أمور الدولة والدنيا، وأمثال ذلك.

ثالثًا: لأن القرآن والإسلام دعوة انقلابية تربوية، تريد أن تربي الإنسانية العابدة، وتنفي كل بذور الجاهلية في العقيدة والنظام والأخلاق والتقاليد وغيرها. والتربية تعني - أول ما تعني - مسك أزمة الأمور، ثم وضع برنامج تربوي عام، وخلق التلاؤم بين مختلف نواحي الحياة ونظمها، خدمة لذلك الهدف التربوي العام الذي بينته الآية الكريمة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] ، تحقيقًا لمدارج التكامل الإنساني، ومن هنا يتغير هدف الحكومة في الإسلام، ويختلف عن أهداف الحكومة في المجتمعات الوضعية - كما قلناه -، حيث ركزت على تحقيق رفاه المواطنين وراحتهم، في حين يطلب الإسلام من (الإمام) وهو عنوان الدولة الإسلامية أن يراقب تحولات المجتمع، ويسوقه نحو كماله في مختلف الجوانب، كما سيأتي مزيد توضيح لهذه النقطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>