للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النقطة الثانية:

بالنسبة إلى الدوافع التي ذكرت للقول بفصل الإسلام عن مسألة الحكم نود أن نقول: إن علائم التعمد والتحريف واضحة في كتاب (الإسلام وأصول الحكم) ، ولعل مؤلفه كان أدرى بأن ما يستدل به لا يتجاوز ما لا يستقيم دلالته على مدلوله، أو ما لا يعدو كونه قصة تاريخية لا تملك سندًا شرعيًّا، أو ظنًّا لا يغني عن الحق شيئًا.

أما الدوافع التي ذكرت بعد ذلك، فالدافع الأول منها: سياسي محض وفرض وهم، إذ كيف يمكن أن نتصور بريطانيا تعمل على إرجاع الخلافة الإسلامية، ولو في شخص رجل منحرف مثل الملك فؤاد، وهي التي عملت المستحيل وتوسلت بكل السبل لإفناء الخلافة العثمانية، بفعل تحريك العميل الصهيوني الكبير أتاتورك، وتحريك نفر من العرب وإثارة الروح القومية فيهم، وأمثال ذلك، فلا يعدو ذلك إلا وهمًا. نعم يمكن أن نتصور الاستعمار البريطاني نفسه يدفع أمثال (علي عبد الرازق) لفصل الإسلام عن مسألة الحكم، وبالتالي خلق روحية الحكم المدني، وجعل الدين ذا دور هامشي، غير أساس في التشريع، وهو ما طبقه الاستعمار فعلًا في الدويلات التي شكلها بشكل غير مباشر، وصاغ قوانينها الوضعية، معطيًا للإسلام بعض المجالات القليلة كالشؤون الشخصية من زواج وطلاق وأمثالهما.

وأما الدافع الثاني: وهو التخوف من سيطرة الفقهاء على الدولة وتجميدها، فقد رأينا (الدكتور متولي) يرده بأن الحكم الإسلامي يعزز مكانة الفقيه، ولكنه لا يجعله رجل الدولة الوحيد. ثم يذكر مثلًا للحاكم الإسلامي مجسدًا في حكام مثل يزيد، ولم يكن يزيد بن معاوية من الفقهاء مطلقًا.

والرد قد يمكن توجيهه إلى حد ما طبقًا للأطروحة التي تعتمد الشورى أساسًا، وإن أمكن القول بأن أهل الحل والعقد المتدينين سوف يميلون بالطبع إلى رجال الفقه والدين، فإذا افترضنا هؤلاء ممن ابتلوا بالجمود كان من المتوقع للدولة الجمود على وضعها، وعدم تطورها، وهذا ما يرفضه المنطق الاجتماعي. ولكن النقص الأساسي في الرد يكمن في تمثيله بحكام امتلكوا الأمر بالجور والقتل والقهر، وشوهوا وجه التاريخ الإسلامي بالظلم والهتك والمكر. فهل يرضى الدكتور أن يمتلك أمر الأمة أمثال يزيد؟ إنها والله الداهية الدهياء. على أن الرد لا ينسجم مع النظرية التي تعطي الفقيه الدور الأساسي في الأطروحة ضمن شروط خاصة، كما سنبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>