في ختام حديثنا عن العلمانية رأينا أن نقدم نموذجًا واحدًا من كتابات العلمانيين العرب، وهو نموذج يطفح بالإلحاد، رغم ادعاء صاحبه بأنه لا يتنافى والحقائق الدينية، وينافح ويكافح في سبيل تأصيل الفكرة العلمانية، وبنائها على أسس فلسفية، مدعيًا أن المنطق العقلي يرفض أن يكون الدين والحقائق الدينية (حتى لو قبلناها ولم نناقش فيها) أساسًا للنظام الاجتماعي، في حين لا يمانع من قيام العقل الإنساني الناقص، أو قيام الماركسية أو الرأسمالية مثلًا ببناء مثل هذا النظام. وسنبدأ حديثنا بالإشارة إلى مباحث كتاب (الأسس الفلسفية للعلمانية) لعادل ضاهر، ثم نعقب عليه باختصار مشيرين إلى بعض نقاط الضعف التي يزخر فيها رغم كونه من أنضج الكتب العلمانية.
في مطلع الكتاب، يؤكد الكاتب على مبدأ (أسبقية العقل على النص، ص٥) ، وينعى على أولئك الذين يلتمسون مبررًا للعلمانية من الدين، ويرى أنهم يقعون في تناقض.
ويعلن أن العلمانية قد تراجعت أمام الدين في حياتنا، ويعلل ذلك: بأنها لم تقم في سياق حركة نقدية شاملة، لذلك نشأت هشة، وسرعان ما هُزمت.
ويؤكد أنه يسعى لبيان قدرة الإنسان بمفرده لتحديد موقفه من الحياة بعيدًا عن الدين، وأن العوامل المعرفية والميتا أخلاقية والميتا سياسية تؤكد ذلك، وأنه لا يمكن - عقلًا - أن تكون المعارف الاجتماعية العلمية مشتقة من المعرفة الدينية، وهذا يعني أن علينا أن نؤول كل النصوص القرآنية والدينية، التي تدل على العلاقة بين المعرفتين (الدينية والاجتماعية) ، لتعود العلاقة علاقة تاريخية محضة، لها مبرراتها التاريخية لا مبرراتها المفهومية والمنطقية.
وفي مطلع بحثه يفترض إمكان المعرفة الدينية - وإن كان يشكك فيها في الأصل - كما يفترض إمكان المعرفة الاجتماعية ليدرس العلاقة بينهما.
وقبل أن يدرس هذه العلاقة يرد على بعض العلمانيين والإسلاميين جَعْلَهُم الظروف الغربية المناخ المناسب لنشوء العلمانية، الأمر الذي لا يسمح لها بالظهور في التربة الإسلامية (ص٤٣) ، مذكرًا بأن هناك معاصرة بينهما لا غير، وأن جوهر العلمانية هو رفض وجود أي مرجع تشريعي سوى العقل الإنساني، ومهما تصورنا من مرجعية (مرجعية الوحي، نظام الكنيسة، دار الإفتاء ... ) فإنها تتنافى مع العلمانية، حتى ولو كانت بمستوى الهيمنة الروحية على الأفراد (ص٥١) .