الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين.
يسعدني أن أنتهز هذه الفرصة الطيبة التي منحها لي فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، وذلك بتفضله بالطلب مني تقديم هذا العدد من المجلة التي تعكس نشاطات هذا المجمع الموقر الذي لعب خلال هذه الحقب الأخيرة دوراً أساسياً في تعريف حضارة الإسلام وتوضيح مبادئ شريعته، وإيجاد الآليات المعتمدة لإصدار فتاواه الشرعية، فكانت الدراسات والأبحاث التي قام بها علماؤه الأجلاء ولجانه المتخصصة والتي تهم مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمسلمين، موضوع المناقشات والمداولات بين أعضاء هذا المجلس خلال الدورات التي يعقدها المجمع الفقهي في كل سنة للبت فيها وإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية بشأنها.
كما امتازت هذه الدراسات والأبحاث بجدتها وبمستواها العالي، حيث جمعت بين المعرفة الدقيقة بأصول الفقه ومقاصد الشريعة السامية والإطلاع- إلى جانب ذلك- على الحضارة المعاصرة والمعارف الجديدة التي أتت بها في مختلف الميادين والتحولات الجذرية التي أحدثتها في المجتمعات البشرية، فكانت نتيجة ذلك ظهور قضايا جديدة في المجتمعات الإسلامية لم يعهدها الإنسان المسلم من قبل في العصور الإسلامية الماضية، مما فرض على مجمع الفقه الإسلامي متابعتها ودراستها لإصدار فتاوى شرعية بشأنها تمشياً مع ضرورات العصر واستجابة لرغبة المسلمين في معايشة زمانهم بإيجاد الحلول المناسبة شرعاً للمشاكل التي تطرحها ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لمبادئ دينهم الحنيف وقيم حضارتهم الرفيعة.
ويمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى القضايا التي عالجها مجمع الفقه الإسلامي ووجد لها حلولاً بعد أن طرحت إشكالات متعددة على المسلم المعاصر مثل ربا قروض البنوك، والبيع المؤجل، واستثمار الأوقاف، والتضخم، وتغيير قيمة العملة، وعقود التصدير والمناقصات، وزرع الأعضاء، وبطاقات الائتمان غير المغطاة إلى آخر ما هنالك من القضايا المستجدة التي أفرزتها تعقيدات الحضارة المعاصرة، وطرحت عدداً من الشبهات الفقهية أمام المسلمين مما فرض على مجمع الفقه وعلمائه وباحثيه دراستها وإيجاد الفتاوى الشرعية المناسبة لها.
ومن هنا يدرك القارئ ضخامة المهمة التي اضطلع بها مجمع الفقه الإسلامي في حياة المسلمين والمسؤولية المعنوية التي تحملها تمكيناً للمجتمعات الإسلامية من العيش عيشة عصرية تأخذ بأسباب العلم والعصرنة والحداثة، مع الحفاظ على عقيدتهم وهويتهم، وذلك بفضل جهود علماء المجمع وفقهائه الأجلاء، وبفضل اجتهاداتهم حتى أعطوا للشريعة والفقه الإسلامي صفة الديمومة والصيرورة، يساير تطورات الحياة ومتطلبات العصر، فأثبتوا مرة أخرى مقولة أئمتنا:" إن الإسلام يصلح لكل زمان ومكان".