للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- الأوقاف:

والوقف وغالب أحكام الأحباس اجتهادية، لأن النصوص فيها منطلقها التحبيس والتسبيل، وهما بمعنى واحد، وهو لغة الحبس عن التصرف، وفي الشرع واصطلاح الفقه يطلق الوقف على اسم المفعول أي الموقوف. وقد عرف عند الحنفية بحبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنفعة على جهة الخير. ولا يلزم زوال الموقوف عن ملك الواقف، ويصح له الرجوع عنه ويجوز له بيعه، لأن الأصح عند الحنفية أن الوقف جائز غير لازم وهو العارية، ولا يلزم إلا بأحد أمور ثلاثة:

١-أن يحكم به الحاكم، كأن يختصم الواقف مع الناظر لأنه يريد أن يرجع بعلة عدم اللزوم، فيقضي الحاكم باللزوم فيلزم لأنه أمر مجتهد فيه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.

٢-أن يعلقه الحاكم بموت صاحبه فيقول إذا مت فقد وقفت داري مثلاً على كذا، فيلزم كالوصية في الثلث بالموت لا قبله.

٣-أن يجعله وقفاً لمسجد ويفرزه عن ملكه ويأذن بالصلاة فيه، فإذا صلى فيه ولو واحد بطل ملكه وزال عن الواقف عند أبي حنيفة.

مشروعيته: الوقف نظام إسلامي محض، وقد قال الشافعي: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمت، وإنما حبس أهل الإسلام. وقد عرف الحبس عند الجمهور وهو رأي الصاحبين، وبه يُفتى عند الحنفية والشافعية والحنابلة في الأصح بأنه حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره على مصرف مباح موجود، أو بصرف ريعه على جهة بر وخير تقرباً إلى الله تعالى، وعليه يخرج المال عن ملك الواقف ويصير حبساً على حكم ملك الله تعالى، ويمتنع على الواقف التصرف فيه ويلزم التبرع بريعه على جهة الوقف. وقد استدلوا لرأيهم بحديث ابن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أصاب أرضاً بخيبر فقال: يا رسول الله أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني؟ فقال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) ، فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث، في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول. رواه الجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>