وهنا ينبغي أن نتساءل: هل الاستثمار العقاري هو أولى لأحوال الوقف من الناحية الاقتصادية؟ أم أن الأولى أن هذه الناحية نبيع العقار ونشتري به أسهماً في شركات حلال تقوم بنشاط حلال، وتحل هذه الأسهم محل الوقف وتبقى هذه الأسهم كبديل عن الوقف نفسه، تبقى دائماً لا تباع إلا ليشترى بثمنها أسهماً أخرى من نوع آخر بحيث تبقى قيمة الاستثمار ثابتة ومتزايدة، ولا يؤخذ منه إلا الدخل الذي يولده نتيجة توزيع الأرباح على حاملي الأسهم؟. ولكن هل هذه العملية جائزة شرعاً وقد علمنا أن الأوقاف هي على ملك صاحبها لا تباع ولا يملك الموقوف عليهم إلا الاستثمار؟. وعلى هذا الاعتبار لو كانت أوقاف عديدة في مدينة واحدة فتباع ويؤخذ حصيلة ثمنها فيشتري بها أرض ويبنى عليها عمارة ذات طبقات للسكنى، ويجعل الطابق الأسفل حوانيت تجارية، وتكرى شقق هذه العمارة كما تؤجر هذه الحوانيت، وأجرة هذه العمارة بشققها وحوانيتها توزع بين الموقوف عليهم بعد الأداءات على عقود هي الأكرية وما يقدر من المصاريف اللازمة للصيانة ونحوه، وتوزع غلة العمارة على حسب حصص نسبة مساهمتها في هذا المشروع الكبير.
والسؤال المطروح: هل يجوز مثل هذا العمل الذي تتضاعف فيه غلة الأوقاف بناء على من يرى من الفقهاء أن الوقف يكون في المنقولات كما يكون في العقارات؟ فلو فرضنا أن أحداً له أسهم ذات بال في شركة من الشركات فحبسها على مسجد البلد وأشهد على ذلك وأتمه. وبعد فترة انحلت تلك الشركة وقسمت على أصحابها، فإن على المحبس عليهم أن يشتروا بهذه الأسهم أسهماً في شركة من الشركات، ولا حق لهم في تمليك رأس مالها، لأن الحبس ملك لصاحبه، فإذا اشتروا أسهماً أخرى بما تجمع من مال الأسهم كان ذلك حبساً، ثم ما ينتج من الأرباح هو الذي يكون لهم، لأنه هو الفائدة والغلة لهذه الأسهم التي يستحقها المحبس عليهم، لأنهم يملكون مداخيلها وفوائدها لا ذاتها، لأنها ملك لمحبسها. كذلك إذا ترك في بلد واحد مجموعة من الأراضي الصغيرة الحجم من غير رصيد مالي يمكن به إنشاء أبنية عليها تدر على المحبس عليهم أموالاً كثيرة يقع استثمار هذه القطع الموقوفة، فهل لهم أن يبيعوا مجموعة من هذه الأراضي الموقوفة وبأثمانها يبنون عمارة تدر عليهم الكثير من الأموال؟ وهكذا يقع تمويل الأوقاف واستثمارها مع ما فيها من ملابسات بعضها إيجابية وبعضها سلبية وما فيها من إشكالات بعضها نظرية وبعضها تطبيقية. ولذا كان من الضروري دراسة كل صيغة من صيغ التمويل حتى يعلم المقبول منها شرعاً مما لا يقبل شرعاً وإن كان مقبولاً كنظرية اقتصادية.