للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً- طبيعة الوقف الخاصة وعلاقتها بالاستثمار وصوره

الوقف لغة: الحبس والمنع.. ومنه وقفت الدابة إذا حبستها في سبيل الله، ومنها: وقف إذا منع نفسه من السير، وجمعه أوقاف كثوب وجمعها أثواب.. ومنها: قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: ٢٤] ، أي امنعوهم عن السير ليحاسبوا..

وقولنا أوقف بالهمزة لغة شاذة رديئة، أما الوقف في الاصطلاح الفقهي فقد تعددت تعريفات الفقهاء له على ضوء اختلاف مذاهبهم في كثير من أحكام الوقف من حيث لزومه وعدم لزومه ومن حيث اشتراط القربة فيه ومن حيث الجهة المالكة للعين الموقوفة بعد وقفها، إلى غير ذلك من أمور تحدد طبيعة الوقف وحقيقته في المذاهب الفقهية المتعددة.

فمن تعريفات الشافعية مثلاً: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه على مصرف مباح (١) ، وعرفه أبو حنيفة بأنه: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة. وعرفه الصاحبان بأنه: حبس العين على حكم ملك الله تعالى وصرف منفعتها على من أحب (٢) ، وعرفه أئمة المالكية بأنه: إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً (٣) ، وعرفه أئمة الحنبلية بأنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة (٤) ، وعرفه القانون المدني الأردني باعتباره مستمداً من الفقه الإسلامي استفادة من مجموع التعريفات السابقة: الوقف حبس عين المال المملوك عن التصرف وتخصيص منافعه للبر، ولو مالاً (٥) .

وواضح من مجموع هذه التعاريف أن الوقف له طبيعة خاصة تقوم على حبس العين عن التداول وبالتالي لا يجوز فيها أي تصرف يمس هذا الحبس، فلا يجوز التصرف بالبيع أو الهبة أو بأي تصرف آخر يؤثر على ديمومة تمحضها لأن ينفق دخلها وما ينتج منها على الجهة الموقوفة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب المحافظة على استمرارية تدفق دخلها للجهة الموقوفة عليها، وأن أي عملية تمس ذلك يجب أن تكون في المحصلة لمصلحة هذه الجهة وفي إطار ما هو جائز شرعاً، وهذا أمر تقوم على تقديره الجهة المتولية لإدارة الوقف واستثماره تحت رقابة القضاء الشرعي ووفق الأسس والقواعد المقررة في القوانين والأنظمة السارية المفعول الملتزمة بأحكام الشريعة والتي تعتبر شرط الواقف كشرط الشارع ما يوجب مراعاته عند التعامل مع الوقف إدارة واستثماراً.


(١) حاشية القليوبي على شرح المنهاج: ٣/٩٧.
(٢) شرح فتح القدير: ٥/٤١٦؛ حاشية ابن عابدين: ٤/٣٣٧.
(٣) مواهب الجليل شرح مختصر خليل: ٦/١٨.
(٤) المغني لابن قدامة: ٥/٥٩٧.
(٥) المادة (١٢٣٣) من القانون المدني الأردني.

<<  <  ج: ص:  >  >>