للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيها: الإجماعات المحكية على ذلك حد الاستفاضة.

ثالثها: ما ذكرناه في إثبات صحة العقود من أن المعاملات ليست مبنية على التعبد والاختراع وإنما هي أمور مجعولة عند العقلاء على نحو يتم به النظام، والشارع قررهم على ذلك، فكل معاملة شائعة بين الناس يحكم بصحتها لكشفه عن تقرير الشارع، إلا ما ورد المنع عنه فنقول: لو كان ورد من الشارع عن أخذ الشروط في ضمن العقود بهذا العنوان لاشتهر وتواتر، كسائر المعاملات الفاسدة، لعموم البلوى وشدة الحاجة، مع أنه قد انعكس الأمر، وهذا يكشف عن رضا الشارع به وهو المدعى.

ورابعها: أن ما دل على لزوم الوفاء بالعقود يدل على صحة الشرط الواقع ضمن العقد.

إما أن ذلك كالجزء من العقد والقيد منه، فإذا وقع الارتباط بينه وبين العقد في قصد المتعاقدين فالوفاء بالعقد يقتضي الوفاء به، لأنه من كيفيات العقد؛ ولا فرق بين ما اعتبر في الأركان أو لوحظ من الخارج، بل هذا – في الحقيقة – يرجع إلى صفة في أركان العقد، فلابد من الوفاء بالعقد.

وإما لأن الشرط بنفسه عهد من العهود، وقد دلت الآية على لزوم الوفاء بالعهود، ولا يضر الانصراف إلى المتعارف – هنا – لأن الشرط ضمن العقد من العهود المتعارفة الشائعة، فكما يشمل العقد الأصلي يشمل الشرط، ولا يحتاج إلى إثبات كون الوفاء بالعقد مستلزماً للوفاء بالشرط (١) .

وقال في معنى الشرط والتحقيق، إن الشرط في العقد إنما هو بمعنى الربط، وإحداث العلاقة بين العقد وما شرط، وهو المعنى اللغوي للشرط، ولا يطلق الشرط على الإلزام المستقل الذي لا ربط له بشيء آخر؛ والمراد من قولهم: بعتك وشرطت عليك كذا أني أنشأت البيع والتمليك وربطته بالأمر الفلاني أي جعلتهما مرتبطين في الإنشاء والإحداث بمعنى إرادة وقوعهما مرتبطين، فيصير الشرط كأجزاء العوض والمعوض؛ فمن قال: "بعتك السيف والفرس "يريد وقوع التمليك فيهما معاً، بمعنى تعلق الغرض بالمجموع المركب من حيث هو كذلك، ومثله الشرط، والغرض ارتباط الشرط والمشروط في المقصودية والإنشاء، لا أن ذلك تعليق لأصل العقد، بمعنى أني بعت إن كان كذلك، ولا تعليق للدوام بمعنى أني بعت ولكن إن وقع هذا الشرط، فدائماً وإلا فلا، ولا بمعنى أني بعت، ولكن لا أرضى باللزوم إلا بذلك الشرط، فإن كل ذلك غير صحيح، إذا الأولان مبطلان، والأخير لا دخل له بالمتعاقدين، وإنما المقصود ما ذكرناه (٢) .


(١) العناوين للمراغي: ٢/٢٧٥- ٢٧٦ مكتبة النشر الإسلامي.
(٢) العناوين للمراغي: ٢/٢٧٦ مكتبة النشر الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>