الملكية ماهية اعتبارية متقومة باعتبار العقلاء حدوثاً وبقاءً، وليس لها حقيقة سوى الاعتبار العقلاني، فإذا تحقق عقد البيع مثلاً يصير موضوعاً لاعتبار الملكية عند العقلاء، كما أن عقد النكاح إذا تحقق يصير موضوعاً لاعتبار الزوجية عندهم، وإذا تحققت الحيازة تصير موضوعاً لاعتبار الملكية؛ ولا يصير العقد علة لحصول الملكية ولا علة لاعتبار العقلاء، فلا علِّيَّة ولا سببية في العقود لإيجاد مضمونها، بل هي بعد تحققها تصير موضوعاً لاعتبار العقلاء، فالعقلاء يعتبرون ملكية العين عند تحقق عقد البيع، وملكية المنافع عند تحقق عقد الإجارة.
وبعبارة أخرى إن الاعتبار العقلاني له وجود لا يحصل إلا بالاعتبار، ولا يوجد باللفظ وغيره فاللفظ في العقود لا يمكن أن يكون علة لما هو خارج عن نطاقه وحوزته، والعلة في ذلك الاعتبار إنما هو إرادة العقلاء، لا اللفظ الصادر من اللافظ العاقد.
ثم إن حقيقة هذه المبايعة الاعتبارية إضافة حاصلة بين المال ومالكه، وهي قد تكون ذاتية كالإضافة الحاصلة بين الإنسان وعمله فإن الإنسان مسلط على عمله ونفسه وما في ذمته، فله إجارة نفسه وبيع ما في ذمته، وقد أمضى الشارع أيضاً هذا النحو من الملكية، وقد تكون الإضافة عرضية، وهي قد تكون أولية وقد تكون ثانوية.
والأولى: قد تكون أصلية استقلالية وقد تكون تبعية، أما الأولية الأصلية كالإضافة الحاصلة بالعمل أو بالحيازة أو بهما، أما الأولية التبعية كالإضافة بين المالك ونتاج أمواله، وأما الإضافة الثانوية قد تكون قهرية كالإضافة بين الوارث والميراث والموقوف عليه والوقف، وقد تكون اختياريه كالإضافة الحاصلة من المعاملات بين المالك ومملوكه، والمقصود منهما في المقام هو القسم الأخير من الملكية التي تحصل بالعقود والإيقاعات.