للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثاني

الأحكام التي يمكن أن تطبق

على الشرط بصفة عامة

إن قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، بأن الشرط مقاطع الحقوق يبين لنا أهمية الشرط في جملة المعاملات التي يوقفها أصحابها على شرط ما، ومنه يمكن أن تستخرج أحكام كثيرة، وبالرجوع إلى كتاب أقرب المسالك: نراه في باب البيوع تعرض لعدة مواضيع تجعلنا ندرك الحالات التي اعتمدها المالكية في الشرط والخلافات بينهم في شأنه، من ذلك:

" لو شرط إن لم يأت بالثمن لكذا، نحو لآخر الشهر أو لعشرة أيام (فلا بيع) بيننا، فألغى الشرط، ويصح البيع وغرم الثمن الذي اشترى به، قاله في المدونة، فهذه الحالات يصح فيها البيع بعد الوقوع ويبطل الشرط ".

فمنهم من أفسد البيع من أصله لخلل علق بشرط من الشروط، وقسم يفسد البيع ما دام المشترط متمسكًا بشرطه، كشرط بيع وسلف، وقسم يجوز فيه البيع والشرط، إذا كان الشرط جائزًا لا يؤدي لفساد ولا حرام، وقسم يمضي فيه البيع ويبطل الشرط، وهو ما كان الشرط فيه حرامًا إلا أنه خفيف لم يقع عليه حصة من الثمن.

هذه الصور الثلاثة عالج بها المالكية الشرط، وملخصها أنهم أجازوا البيع وأفسدوا الشرط، وأفسدوا البيع وأجازوا الشرط، وأفسدوا الشرط والبيع معًا.

وهذا يعطي انطباعًا أساسيًّا يسوق إلى الجزم بأن فقهاء الإسلام اعتادوا التساهل في كل معاملة لم تهدم حقًا من حقوق الله أو حقوق أحد من عباده، وهي مرونة تشريعية تكسب الفقه الإسلامية إمكانية استنباط الأحكام العادلة، لكل مستجد من صلب مشاكل الحياة المتجددة.

فإذا كان الشرط تتوقف عليه أوضاع كثيرة بالنسبة للتصرفات، فإن أهم ما يميز حالاته هي الصفة الجزائية التي تصاحب إحدى صوره، وهي تصاحب الشرط، إما باختبار طرفيه، أو تبني أحدهما لها، وقوبل الطرف الآخر بها في الصفات البعيدة عن الإذعان، وإما بإملاءات الطرف: المذعن بكسر العين وقبول الطرف المذعن بفتحها، وإما بإرادة الشارع في بعض الأحكام التكليفية، والتي إن تخلف شرط صحتها بطلبات وردها الشارع على فاعلها لتخلف شرط صحتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>