وعلى هذا الأساس لا ينقص قوانين الدول الإسلامية والعربية على الخصوص، إلا أن تصرح بأن نصوص الشرط الجزائي تبقى متقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية، ولا ضير مع ذلك في التمسك بطريقة التقنين المتبعة في هذا المجال، ما دامت لم تتمرد على أحكام الشريعة الإسلامية، ومن الرجوع إلى تاريخ كل من التشريعين يتبين للقارئ المنصف أن نفس المبادئ التي أتت بها القوانين الوضعية، هي نفسها التي قالت بها مصادر الشريعة الإسلامية من بداية عهدها، فكون الشرط وصفًا من أوصاف الالتزام وليس داخلًا فيه، وكونه يضم اتفاقًا مستقلًا عن العقد، وتباعًا له، ويهتم أساسًا بتعويض اتفق عليه المتعاقدان، ليدفعه من تحمل بخطأ في عدم تنفيذ التعويض الذي أطلق عليه جزاء الشرط، ولا يتم إلا إذا توفر خطأ نتج عنه ضرر وثبتت علاقة سببية بين الخطأ والضرر، وأيضًا نصت القوانين المدنية على أن الشرط الجزائي ليس هو السبب، مما يجعله لايتولد عنه التزام تبعي يتطلب تحديد تعويض جديد، وإنما دور القاضي ينحصر في الحكم بتطبيق إرادة المتعاقدين، وكون بطلان الالتزام الأصلي يتسبب في بطلان الالتزام بالشرط الجزائي، وأيضًا كونه يشبه شكلًا العربون والتهديد المالي، من كون كل واد منهما مبلغًا معينًا يستحقه الدائن بسبب عدم وفاء المدين بالتزامه، مع تسجيل النقط التي يختلفان فيها، كالتهديد المالي الذي يفرضه القاضي على الطرف الذي تمادى في ارتكاب ضرر ضد الطرف الثاني في الالتزام، كل هذه المبادئ هي نفسها التي أشير إليها في المبحثين السابقين، ولتتميم الفائدة فسننظر في المسألة من وجهة نظر كتب الفروع، والفقهاء المعاصرين في الفقرات القادمة لندرك مدى تأثير النظريات الإسلامية في شأن هذا الوضع القانوني تأثيرًا يجعل تنظيم جمعها وتلخيصه في فصول قانونية لم يتمكن من إخراجه عن أصله الذي عالجته الشريعة من خلاله، ولعل النظريات الفقهية التالية تقربنا من هذا التشابه بصفة أكثر بروزًا.