فإبطال البيع والشرط من قال به أخذ بعموم النهي عن البيع والشرط في صيغة واحدة، والذين أجازوهما معًا أخذوا بظاهر حديث عمر الذي أجاز فيه البيع والشرط، ومن أجاز البيع وأبطل الشرط، أخذ بعموم حديث بريرة، واعتماد الشرط الواحد ثم اعتمد أصحاب هذا القول على الحديث الذي رواه أبو داود عن عمرو بن العاص القائل:(لا يحل سلف وبيع، ولا يجوز شرطان في بيع، ولا ربح ما لم تضمن، ولا بيع ما ليس عندك) .
أما المالكية، فلهم أحكام عدة في هذا المضمار ومن ذلك: شروط تبطل هي والبيع إذا اشتملت على نسبة عالية من صور الفساد مثل الربا والغرر، وشروط تجوز هي والبيع، وشروط تبطل ويثبت البيع، ومحاولة المالكية التعامل مع الشرط بحسب تأثير ما تضمنته مقتضيات العقد، فإذا كان دخول هذه الأشياء فيه كثير من قبل الشرط أبطله، وأبطل الشرط، وما كان قليلًا أجازه، ,أجاز الشرط فيه، وما كان متوسطًا أبطل الشرط وأجاز البيع.
ومن خلال هذا التطابق الذي تظهره هذه الاستنباطات التي قال بها المالكية هنا، نتمكن من استنتاج نخرج به من هذا البحث، وهو أن الشرط الجزائي دونت كتب الشريعة الإسلامية أحكامه، ودرستها تحت مسميات متعددة، تارة تحت اسم الشرط الواقف، وأخرى تحت الخيار بشرط، وآونة تحت الأحكام العامة لمختلف الشروط، وكل الحالات التي تم تناول أحكام هذا المبدأ تحتها، فإنها تثبت اتساع دائرة أحكامه، وتعدد المجالات التي يمكن أن يطبق فيها، كما تمكننا هذه الدولة في المراجع الإسلامية من حكم لا يقبل البينة المعاكسة بأن القوانين الوضعية ظلت حبيسة نتائج العطاء الإسلامي في هذا المجال، فلم تستطع في جميع صور الشرط الجزائي المتفقة مع ما تفرضه الأخلاق والنظام العام حسب تعبير مصطلحات ذلك الفقه القانوني، لم تستطع أن تخرج عن تراث الفقه الإسلامي، كما يلاحظ أن هذا الموضوع متسع المضامين قابل للاستحواذ على استقطاب جميع المستجدات العلمية للعصر، من خلال أحكام إسلامية في هذا المضمار واختم بأن أحكام القوانين المدنية العربية في شأن الشرط الجزائي تتفق تمامًا مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، إذ لا ينقصها إلا الإعلان عن تمسكها بأصلها الإسلامي.
ونشير إلى أن جل الأحكام التي اعتمدها قرار مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الشقيقة بتاريخ ٢٢ / ٨ / ١٣٩٤، قد تضمن كثيرًا من الأقوال والآراء والفتاوي الشاملة لكثير من أحكام الشرط الجزائي، ثم إن القرار الصادر عن تلك الهيئة في هذا المجال اعتمد الحكم لصالح شرع الله دون تحيز ولا تأثر برأي غير البحث عن وجه الحقيقة الشرعية وعليه فالشرط الجزائي إجراء شرعي يرتبط أحيانًا بالمعاملات وليس فيه حرج ولا شبهة، ما دام لم يخرج عن مقتضى قواعد المباح الواسع في الشريعة الإسلامية الغراء، فهو شرط صحيح كلما احترم استبعاد المعاملات المنهي عنها، وبذلك فكل المستجدات التي يمكن أن تعرفها الساحة الإسلامية يمكن أن يستخدم فيها هذا الإجراء.