للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- لو أن متعهدا في عقد توريد أرزاق عينية يوميا من لحم وجبن ولبن وبيض وخضراوات وفواكه ونحوها إلى مستشفى أو إلى جامعة فيها أقسام داخلية، أو إلى دار ضيافة حكومية، بأٍسعار اتفق عليها في كل صنف لمدى عام. فحدثت جائحة في البلاد أو طوفان أو فيضان أو زلزال. أو جاء جراد جرد المحاصيل الزراعية. فارتفعت الأسعار إلى أضعاف كثيرة عما عليه عند عقد التوريد، إلى غير ذلك من الأمثلة المتصورة في هذا المجال.

فما الحكم الشرعي الذي يوجبه فقه الشريعة في مثل هذا الأحوال التي أصبحت كثيرة الوقوع في العصر الحاضر الذي تميز بالعقود الضخمة بقيمة الملايين، كالتعهد مع الحكومات مات في شق الطرق الكبيرة وفتح الأنفاق في الجبال , وإنشاء الجسور العظيمة، والمجمعات لدوائر الحكومة أو للسكنى، والمستشفيات العظيمة أو الجامعات، وكذا المقاولات التي تعقد مع مؤسسات أو شركات كبرى لبناء مصانع ضخمة، ونحو ذلك مما لم يكن له وجود في الماضي البعيد.

فهل يبقى المتعاقد الملتزم على حدود عقده وأسعاره قبل تبدل الظروف وطروء التغييرات الكبيرة المشار إليها مهما تكبد في ذلك من خسائر ماحقه أو ساحقة، تمسكا بمقتضى العقد وحدوده في الأسعار والكميات , أو له مخرج وعلاج من فقه الشريعة الحكيمة السمحة العادلة يعيد كفتى الميزان إلى التعادل, ويحقق الإنصاف بقدر الإمكان بين الطرفين؟

وقد نظر مجلس المجمع في النظائر الفقهية ذات الصلة بهذا الموضوع من فقه المذاهب واستعرض قواعد الشريعة ذات العلاقة مما يستأنس به ويمكن أن يوصى بالحكم القياسي والاجتهاد الواجب فقها في هذا الشأن كما رجع إلى آراء فقهاء المذاهب فوجد ما يلي:

١- إن الإجارة يجوز للمستأجر فسخها بالطوارئ العامة التي يتعذر فيها استيفاء المنفعة كالحرب ونحو ذلك. بل الحنفية يسوغون فسخ الإجارة أيضا بالأعذار الخاصة بالمستأجر , مما يدل على أن جواز فسخها بالطوارئ العامة مقبول لديهم أيضا بطريق الأولوية فيمكن القول إنه محل اتفاق. وذكر ابن رشد في بداية المجتهد (٢/١٩٢ من طبعة الخانجي الأولى بالمطبعة الجمالية بمصر) تحت عنوان: (أحكام الطوارئ) أنه: (عند مالك أن أرض المطر (أي البعلية التي تشرب من ماء السماء فقط) إذا كريت فمنع القحط من زراعتها , أو إذا زرعها المكتري فلم ينبت الزرع لمكان القحط (أي بسببه) أن الكراء ينفسخ، وكذلك إذا استعذرت بالمطر حتى انقضى زمن الزراعة فلم يتمكن المكتري من زرعها) انتهى كلام ابن رشد.

<<  <  ج: ص:  >  >>