للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول ابن القيم – رحمه الله – في كتابه (أعلام الموقعين) :

(إن الله أرسل وأنزل كتبه بالعدل الذي قامت به السموات والأرض وكل أمر أخرج من العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى عكسها فليس من شرع الله في شيء وحيثما ظهرت دلائل العدل وسفر وجهه فثم شرع الله وأمره) . وقصر العاقدين إنما تكشف عنه وتحدده ظروف العقد، وهذا القصر لا يمكن تجاهله والأخذ بحرفية العقد مهما كانت النتائج، فمن القواعد المقررة في فقه الشريعة أن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.

ولا يخفى أن طريق التدخل في مثل تلك الأحوال المعروضة آنفا في العقود المتراخية التنفيذ لأجل إيجاد الحل العادل الذي يزيل الجور إنما هو من اختصاص القضاء. ففي ضوء هذه القواعد والنصوص المعروضة التي تنير طريق الحل الفقهي السديد في القضية المستجدة الأهمية، يقرر الفقه الإسلامي ما يلي:

١- في العقود المتراخية التنفيذ (كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات) إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد تبدلا غير الأوضاع والتكاليف والأسعار تغييرا كبيرا بأسباب طارئة عامة لم تكن متوقعة حين التعاقد، فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة من تقلبات الأسعار في طرق التجارة، ولم يكن ذلك نتيجة تقصيرا أو إهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي في هذه الحال عند التنازع وبناء على الطلب تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع القدر المتجاوز للمتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد فيما لم يتم تنفيذه منه إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه وذلك مع تعويض عادل للملتزم له صاحب الحق في التنفيذ، يجبر له جانبا معقولا من الخسارة التي تلحقه من فسخ العقد بحيث يتحقق عدل بينهما دون إرهاق للملتزم، ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعا رأي أهل الخبرة الثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>