للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦- لا حضور للعوضين الثمن والمثمن أثناء العقد، وإنما يتم تسليم الثمن كله، أو دفعه على أقساط بعد استلام المشتري للبضاعة.

المحظور والمحاذير التي رآها الفقهاء القائلون بجواز البيع على الصفة وهم الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والقول المرجوح عند الشافعية في المبيع الغائب على الصفة أمور:

الأول: أن البعد المكاني يؤدي إلى تغير الصفات، ويعرض السلعة للهلاك.

الثاني: أن العدول عن الرؤية إلى الوصف غرر ومخاطرة، ويفضي إلى المنازعة.

ما من شك أن التحوط للأمر الأول وجيه، ووضعه في الاعتبار الفقهي في الماضي منطقي ومنسجم مع الوضع الاجتماعي، والتجاري، والأمني السابق، أما وقد زالت أسبابه في الوقت الحاضر بسب التطور في وسائل النقل، وأساليب الحفظ، ووجود مؤسسات التأمين لضمان سلامة البضائع، فقد أصبح اعتبار هذا وافتراضه غير وارد، وغير مؤثر في صحة العقد إذا انتفى وجوده، بل إنه مرتفع عن كلا العقدين (عقد البيع على الصفات) و (عقد التوريد) في العصر الحديث.

أما الأمر الآخر: الغرر والمخاطرة بسبب عدم الرؤية واللجوء إلى الوصف، وعدم وجود أحد العوضين في مجلس العقد فقد ذكر الفقهاء من الشروط والقيود، والآثار المترتبة على عدم الرؤية للمبيع ما يحفظ حق الطرفين ويمنع أسباب النزاع بينهما، وهو ما يحاول الفقه الإسلامي أن يتفاداه المتعاقدان في جميع الأحوال والأزمان.

ولا يشكل على الفقيه انعدام السلعة، ولا يؤثر هذا على صحة العقد ما دام الوصف في العقد يمنع الجهالة والغرر، ويسد باب المنازعة بين الطرفين يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: " ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في كلام أحد من الصحابة أن بيع المعدوم لا يجوز، ولا بلفظ عام، ولا بمعنى عام، وإنما في السنة النهي عن بعض الأشياء التي هي معدومة، كما فيها النهي عن بعض الأشياء الموجودة، فليست العلة في المنع لا العدم، ولا الوجود، بل الذي وردت به السنة النهي عن بيع الغرر، وهو لا يقدر على تسليمه، سواء كان موجودًا، أو معدومًا " (١) .

من خلال هذه القاعدة الفقهية التي قررها العلامة ابن القيم يتوجه النظر إلى (عقد التوريد) ليتم تنزيله متساويًّا مع نظيره في العقد على (المبيع الغائب) .

وفيما يلي عرض ملخص لبعض النصوص الفقهية من المذاهب تقدم تصورًا لتوقي الغرر والمخاطرة في البيع على الصفات، وتقطع دابر المنازعة بين الطرفين، وقد نبه العلامة ابن تيمية رحمه الله: " أن من البيوع ما لا يقع فيه النزاع فتكون جائزة " (٢) .


(١) إعلام الموقعين: ٢ / ٩.
(٢) أبو غدة، عبد الفتاح، تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي، ص ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>