هنا نقول الحاجة، في أي شيء تدخل الحاجة؟ الحاجة يقول العلماء إنها لا تدخل في الربا وإنما تدخل في الغرر إذا كان الغرر مضافًا حسب عبارة المواق. الغرر المضاف إذا انضاف إلى أصل جائز أمكن أن تعمل فيه الحاجة. إذن الحاجة يمكن أن تعمل في هذا بشروط الحاجة، وهذه الشروط منها: أن يكون العام ضعيفًا في بعض أفراده، بأن يكون هذا الفرد من نوادر الصور أو تكون صور غير معروفة فيمكن للحاجة أن تدخل في ذلك. الحاجة يمكن أن تدخل في بعض عقود الجهالة إذا لم يكن الغرر كبيرًا جدًا وهذا لا خلاف أن الحاجة لا تدخل فيه، لكن إذا كان متوسطًا – كما يقول القرافي والنووي – فقد يلحق هذا المتوسط بالأدنى وهو الغرر المغتفر لوجود حاجة كما قال خليل:" واغتفر غرر يسير لم يقصد للحاجة للنقصان "، وعبر عنها المازري بأنها للضرورة، واستشكلوا عبارة المازري بأن هذا الغرر يغتفر للضرورة، وقالوا: إن الضرورة أخص من الحاجة، والخطب سهل كما يقول البناني.
المسألة الثالثة هي الإجماع، هل هناك إجماع على منع تأجيل العوضين؟ كثير من العلماء أطلقوا الإجماع، وابن رشد في بداية المجتهد قال: إنه لا خلاف، وإنه من الأمر المجمع عليه أنه لا تجوز النسيئة بالنسيئة. لكن الأمر مع ذلك فيه تفصيل إذا أجزنا الاستصناع وأجزنا أيضًا – عند أشهب – الدين في مقابل منافع يتأخر قبضها، هذا لا يجوز عند ابن القاسم ولكنه يجوز عند أشهب. ثم – وهذا هو الأمر المهم جدًا – إن سعيد بن المسيب – رحمه الله تعالى – من المعلوم أنه كان مرجعًا في البيوع ونص على ذلك ابن تيمية وغيره، وقال:" عن سعيد بن المسيب هو أعلم التابعين بالبيوع "، وهو يحتج بذلك لأن مذهب مالك ومذهب أحمد هما أصح المذاهب في البيوع، سعيد بن المسيب يقول بجواز تأجيل العوضين صراحة. نص على ذلك ابن يونس في جامعه. وحينئذ فلسنا أمام إجماع ثابت قد يكون الإجماع في الجملة على الكالئ بالكالئ، لكنه بالنسبة لآحاد الكالئ بالكالئ لا يوجد إجماع في تعيين هذه الآحاد، هناك فرد من أفرادها وطبعًا العام وهو على فرد يدل حتمًا، فالعام يدل على فرد من أفراده وهذا الفرد هو فسخ الدين بالدين، هذا لا خلاف فيه، وكثير من العلماء فسروا به (الكالئ بالكالئ) أنه فسخ الدين بالدين. يبقى بعد ذلك تأجيل العوضين فيه خلاف، وهذا الخلاف كما قلنا سعيد بن المسيب يقول بجواز تأجيل العوضين وتأجيل البدلين، ومالك يفهم من نصوصه المختلفة أنه لا يرى ذلك أمرًا إدَّاً أي أنه لا يراه أمرًا عظيمًا.