ثم في نفس الأمر إذا قلنا بأن عقود التوريد عقود مستجدة فيجب أن يكون في تصورها ما يقتضي اعتبارها كذلك، أما أن تكون هي صورة لتعامل موجود مثله فيما ذكره الفقهاء السابقين وذكروا أحكامه فكيف نعتبره تعاملًا جديدًا على سبيل التحكم والدعوى حيث إن السلع المستوردة لا يخلو أمرها إما أن تكون موجودة أو معدومة؟ وفقهاؤنا السابقون - رحمهم الله – ذكروا أحكام البيوع على أعيان موصوفة موجودة غائبة، أو على أعيان معدومة وقت العقد، ذكروا هذا وذكروا هذا. فإذن لا يتصور أن يقال بأن هذه من العقود المستحدثة التي يجب أن نأخذ بها على الأصل في أن الأصل في العقود أو في المعاملات الإباحة. رأيي أن عقود التوريد ليس في أمرها إشكال حتى نخرجها عن مقتضيات أحكام بيوع الصفة، ما كان منها موجودًا غائبًا أو كان منهًا معدومًا، وعلماؤنا – رحمهم الله – ذكروا أحكام ذلك وليس في المسألة شيء جديد حتى نقول بأنه يجب أن نأخذ بأحكام ما يستجد لدينا.
ما ذكره الأخ الكريم القاضي العثماني باعتبار عقود التوريد عقود مواردة أو عقود وعد، وإن قال بأن الوعد ملزم وهو ما اختاره المجمع وأصدر به قرارًا لكن هذا القول مخالف للواقع، فهي بيوع يجري عليها التصرف بها من بيع ونحوه قبل التسلم على رأي من يقول بجواز تصرف البائع فيما اشتراه قبل قبضه إياه. فإذن هي بيوع وليست عقودًا، فيجب أن يكون بحث الموضوع منطبقًا مع واقع وجوده، وإذا كان مخالفًا للمقتضى الشرعي بحثنا البديل عنه.
كذلك ذكر الشيخ العثماني – حفظه الله – أن بيع دفتر المزايدة أو المناقصة يجب أن يكون بقيمة التكلفة. والواقع أن وراء رفع سعر الدفتر مقصدًا وهو مقصد مصلحي في أنه لا يتقدم لهذه المناقصة أو لهذه المزايدة إلا من هو أهل لها. وهذا في الواقع يعتبر حماية من أن يشغل القائمون بهذا العمل أو بهذا التعامل التجاري من ليس أهلًا لذلك.
هذا ما أحببت التنبيه إليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.