للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباحثون كلهم كيفوا هذا العقد بأنه عقد المحل فيه أو المبيع غير مملوك للبائع ومؤجل التسليم، فهو من بيع الإنسان ما لا يملك على الصفة في الذمة هذا هو تكييفه الصحيح. بيع الإنسان ما لا يملك على الصفة وليس معينًا في الذمة فهو في هذا شبيه بعقد السلم، لأن عقد السلم هو أيضًا بيع الإنسان ما لا يملك في الذمة. وقد عجبت للدكتور عبد الوهاب كيف شبهه ببيع العين الغائبة على الصفة! هذا شيء آخر. بيع العين الغائبة على الصفة يكون في بيع عين موجودة ومملوكة للبائع ولكنها غير مرئية، فلا محل لها في التوريد أو الاستيراد، ولا يمكن أن يقاس عليها، لكن يمكن أن يقاس بل هو فعلًا من البيع على الصفة في الذمة، وهي هذه الصفة ملازمة له. فإذا كان هذا هو تكييف بيع التوريد وأنه من بيع الإنسان ما لا يملك على الصفة فالحكم فيه واضح وهو أنه لا يجوز إلا على وجه السلم، أي أن يكون الثمن مقدمًا. والفقهاء عندما قالوا ذلك عللوه بقولهم: " لئلا يكون من بيع الدين بالدين "، وهذه هي المشكلة بالنسبة لهذا البيع أو هذه هي أهم مشكلة.

الشيخ العثماني ذكر مشاكل متعددة، لكن يمكن الرد عليها ما عدا هذه المشكلة في نظري وهي التي تعترض بيع الاستيراد حتى لو اعتبرناه عقدًا جديدًا، لو اعتبرنا عقد الاستيراد عقدًا جديدًا فإن هذه المشكلة ستعترضه، لأن القاعدة في العقود الجديدة هي أن الأصل فيها الجواز والصحة ما لم يرد نص أو إجماع أو قياس صحيح على المنع، وهنا ورد نص وإجماع وقياس صحيح على المنع، وهو كون هذا البيع من ابتداء الدين بالدين , منع هذه الصورة من صور بيع الدين لا خلاف فيها. كيف المخرج؟

رأي بعض الأساتذة أن المخرج في الحاجة (مبدأ الحاجة) ومبدأ الحاجة معترف به في إجازة بعض العقود الممنوعة وبخاصة العقود الممنوعة بسبب الغرر. والمنع في بيع الدين بالدين سببه الغرر، فقد نص جميع الفقهاء على أن العقد الذي فيه غرر أنه إذا دعت الحاجة إليه بضوابطها الشرعية يجوز. هذه الضوابط هي أن تكون الحاجة عامة أو خاصة، وأن تكون متعينة، بمعنى أن تنسد جميع الطرق التي توصل إلى المطلوب إلا هذا الطريق. فهل هذه الضوابط موجودة في هذه المعاملة؟ هذا هو ما يحتاج إلى تحقيق وتدبر قبل أن نحكم بالجواز أو المنع، ويجب أن ننظر فيما يترتب عليه هذا الجواز لو بنيناه على الحاجة، وقد أشار الشيخ العثماني إلى هذا التخوف بقوله بعد أن ذكر المحاذير، وهي عبارة جيدة، قال: لو فتحنا باب غض النظر عن هذه المبادئ التي استمر عليها الفقه الإسلامي – ويقصد بذلك الموانع – ومن بينها منع ابتداء الدين بالدين عبر القرون، فإن ذلك يفتح المجال لإباحة كثير من العقود الفاسدة التي ابتدعها سوق الرأسمالية مثل المستقبليات وغيرها.

ولهذا فإني متوقف في هذا الحكم حتى يتبين لنا فائدة هذا العقد وأن مبدأ الحاجة ينطبق عليه انطباقًا كاملًا. وشكرًا لكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>