٣٠- وهذه الحالة لم يذكرها الفقهاء في كتبهم ولم يتعرضوا لها في مدوناتهم، إذ لم يكن لها من الخطر في زمانهم مثل ما لها في عصرنا الحاضر. وحقيقة هذه الحالة أن يطرأ التضخم أو الانكماش بعد الوجوب في الذمة وقبل والوفاء، بحيث تنخفض أو ترتفع القوة الشرائية للنقد الثابت دينًا في الذمة تجاه السلع والمنافع الخدمات التي تبذل عوضًا عنه.
والذي يُستنتج من كلام الفقهاء في مسألة تغير النقود، أن التضخم أو الانكماش وحدهما لا تأثير لهما على الديون البتة، ولو حدث أن قارن التضخم والانكماش إحدى الحالات الآنفة الذكر، فإن الحكم يناط بتلك الحالة بغض النظر عن التضخم والانكماش الملازم أو العارض.
٣١- هذا هو الحكم في الديون التي لا ارتباط لها عند وجوبها بالقوة الشرائية للنقد. أما الديون التي روعي في تحديدها قوة النقد الشرائية وقت الوجوب، ثم طرأ التضخم المالي وانخفضت تلك القوة الشرائية، فإنها تتغير بحسب نسبة التضخم الحادث، كما في دين النفقة إذا قدره القاضي وفرضه على من تجب عليه بالنظر إلى أسعار الأشياء التي يحتاجها مستحق النفقة وقت التقرير، ثم ارتفعت أسعار هذه الحاجيات في السوق، ففي هذه الحالة يحكم بتغير الدين تبعًا لتغير الوضع المالي للنقد؛ لأن القاعدة التي بنى عليها تقدير النفقة إنما هي تحقيق الكفاية للمنفق عليه، وهذا المبلغ المقرر بعد طروء التضخم أصبح غير كاف للوفاء بالغرض المناط به، فلهذا يتغير الدين تبعًا لتغير مناطه، ويزاد مقداره وفقًا لنسبة التضخم الحادث (١) .
(١) انظر قطع المجادلة عند تغير المعاملة للسيوطي: ١/١٠٠.