للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكل عصر من العصور التي تقلبت فيها الأمم أثر خالد في لغاتها، فما من كلمة تنبت ولا من لفظة تدوي إلا وللاصطلاح يد في حظها من الموت أو الحياة.

هذه لغة الفرنسيس ساكنتها مدنية العلم وكاثرتها بآلاتها ومخترعاتها فلم ترهقها تلك المكاثرة، ولم تضق ذرعا بضيوفها، فقد وجدت من مرونتها ووقوف أبنائها على أسرار الحياة ما مهد لها السبيل، واستلها من بين يدي ذلك الجمود الذي وقعت فيه أم اللغات.

ولقد بلغ من قوة الاصطلاح أن أصبح ينسخ معاني الكلمات، وإن أبقى كرما منه على أشباحها، فكم أخرج من لفظة عن معناها وساقها في طريق الاستعمال سوقا لم يقو النقل على الوقوف في سبيله.

أفلا يعز علينا بعد ذلك أن يمر هذا العصر العباسي الزاهر باللغة مرا، لا يترك فيها أثرا، ولا يحدث معها ذكرا؛ حتى إذا طوانا الدهر ونزل في منازلنا خلق جديد، جهلوا، أننا سبقناهم إلى هذه الدنيا لأنهم لم يجدوا لنا رسما يترسم، ولا رأيا يتوسم.

لهذا كنا كلما عرض لنا في طريق التعريب شيء من الأشياء التي لم تجد لها عندنا نصيب من الأسماء، رحبنا به واستعرضنا له الكلمات ما يأنس له ويسكن إليه. فإذا ضاق اللفظ القديم بما عسى أن يتعدد من معاني الشيء الجديد، احتلنا له احتيال أسلافنا؛ وقد رأوا أن يضعوا للغة قواعد تعصم النطق وتقيم اللسان فسموا ذلك العلم نحوا؛ وقلنا ما بالنا نتابعهم متابعة الأرقاء في النقل، ولا نجاريهم مجاراة الأكفاء في الاصطلاح، وإنا إليه في عهدنا لأحوج، وإنا لأولى) .اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>