وحاصل ذلك أن هذا الوعد المكتوب لا يعبر اليوم إلا عن ضمان الحكومة لحامله بالحفاظ على قيمة الورق الاسمية (Face Value) وإن قيمته الاسمية عبارة عن عيار مخصوص لقوة الشراء، ولذلك لا يلتزم البنك بأداء الذهب أو الفضة أو العملة المعدنية الأخرى، بل ربما يفي بوعده بإبدال ذلك الورق بورق آخر يساويه في قيمته الاسمية، فليس ذلك أداء الدين، وإنما هو إبدال الثمن بثمن آخر، قد التزم به البنك الرئيسي، لا لأن الورق ليس ثمنًا رمزيًا، بل للحفاظ على ثقة الناس بهذا الثمن الرمزي.
فاتضح بما ذكرنا أن النقود الورقية لم تبق الآن سندات لديون في تخريجها الفقهي، وإنما صارت أثمانًا رمزية يعبر عنها الفقهاء بكلمة " الفلوس النافقة " فإن الفلوس النافقة تكون قيمتها الاسمية أكثر بكثير من قيمتها الذاتية، فكذلك الأوراق النقدية تكون قيمتها الاسمية أضعاف قيمتها الذاتية، وجرى بها التعامل العام فيما بين الناس، دون أيما فرق بينهما وبين الفلوس النافقة، حتى لا توجد العملة المعدنية اليوم – ولو رمزية – إلا نزرًا قليلاً، فالحكم بعدم أداء الزكاة بهذه الأوراق، ومنع مبادلة بعضها ببعض على أساس كونه بيع بالكالئ، ومنع اشتراء الذهب والفضة بها لفقدان التقابض، فيه حرج عظيم لا يتحمل، والمعهود من الشريعة السمحة في مثله السعة والسهولة، والعمل بالعرف العام المتفاهم بين الناس، دون التدقيق في أبحاث قد أصبحت اليوم فلسفة نظرية ليس لها في الحياة لعملية أثر، ولا يسمع لها خبر، والله سبحانه وتعالى أعلم.