ثم ذكر ابن عابدين مسألة مما وقعت في عصره، رجح القول فيها بناءً على العدالة، لا على الشكل والتقليد، فقال:" ثم اعلم أنه تعدد في زماننا ورود الأمر السلطاني بتغيير سعر بعض النقود الرائجة بالنقص، واختلف الإفتاء فيه، والذي استقر عليه الحال الآن دفع النوع الذي وقع عليه العقد، لو كان معينًا، كما لو اشترى بمائة ريال إفرنجي، أو مائة ذهب عتيق، أو دفع أي نوع كان بالقيمة التي كانت وقت العقد إذا لم يعيّن المتبايعان نوعًا. والخيار فيه لدافع، كما كان الخيار له وقت العقد، ولكن الأول ظاهر سواء كان بيعًا أو قرضًا، بناء على ما قدمناه، وأما الثاني فقد حصل بسببه ضرر ظاهر للبائعين، فإن ما ورد الأمر برخصه متفاوت، فبعض الأنواع جعله أرخص من بعض، فيختار المشتري ما هو أكثر رخصًا أو أضر للبائع، فيدفعه له، بل تارة يدفع له ما هو أقل رخصًا على حساب ما هو أكثر رخصًا، فقد ينقص نوع من النقود قرشًا ونوع آخر قرشين، فلا يدفع إلا ما نقص قرشين، وإذا دفع ما نقص قرشًا للبائع، يحسب عليه قرشًا آخر، نظرًا إلى نقص النوع الآخر. وهذا مما لا شك في جوازه ". ثم قال:" وكنت قد تكلمت مع شيخي، فجزم بعدم تخيير المشتري في مثل هذا؛ لما علمت من الضرر، وأنه يفتي بالصلح، حيث كان المتعاقدان مطلقي التصرف يصح اصطلاحهما، بحيث لا يكون الضرر على شخص واحد"، ثم علل: كيف أن القضية تدور مع علتها فقال: " فإنه وإن كان الخيار للمشتري في دفع ما شاء وقت العقد وإن امتنع البائع، لكنه إنما ساغ ذلك لعدم تفاوت الأنواع، فإذا امتنع البائع عما أراده المشتري يظهر تعنته، أما في هذه الصورة فلا؛ لأنه ظهر أنه يمتنع عن قصد إضراره، فعدم النظر له بالكلية مخالف لما أمر به من اختيار الأنفع له، فالصلح حينئذ أحوط، خصوصًا والمسألة غير منصوص عليها بخصوصها، فينبغي أن ينظر في تلك النقود التي رخصت، ويدفع من أوسطها نقصًا، لا الأقل ولا الأكثر، كي لا يتناهى الضرر على البائع أو على المشتري"(١) .
وهذا ما نحن نؤكد عليه هنا، وهو أنه ما دامت النقود الورقية غير منصوص عليها إذن فلابد من رعاية ما يحقق العدالة ويرفع الحيف والضرر والضرار دون النظر إلى الشكل.