وخلاصة ما سبق: أن النقود الورقية تقوم الآن مقام النقدين تمامًا في قياس القيم الحاضرة والوساطة في المعاملات (خاصية الثمنية) ، ولكنها لا تستطيع القيام أبدًا مقامها في قياس القيم الآجلة أو الوفاء بالديون والالتزامات الآجلة طالما اتجه المستوى العام للأسعار إلى الارتفاع (أو الانخفاض) بصفة مستمرة. ومن جهة أخرى فإن النقود الورقية لم تكتسب خاصية الثمنية اعتمادًا على قيمة ذاتية (سلعية) مثلما كان الوضع بالنسبة للنقدين، بل بناء على الإلزام من قبل الجهات الرسمية المصدرة، فأصبحت بذلك نقودًا اصطلاحية، كما كان الأمر تمامًا بالنسبة للفلوس في عصور رواجها. بالإضافة إلى ذلك فإن القيمة الحقيقية (القوة الشرائية) للفلوس تعرضت دائمًا للتدهور مع الارتفاع العام والمستمر في الأسعار، مما كان يؤدي إلى مشكلات حادة في قياس قيم المعاملات الآجلة وفي الوفاء بالحقوق والالتزامات الآجلة. ونفس الأمر قائم الآن بالنسبة للنقد الورقي. والأمر الخطير الذي يستدعي الانتباه هنا أحد الأسباب الرئيسة، وربما السبب الحقيقي وراء الارتفاع العام والمستمر في الأسعار في عصر الفلوس الرائجة قديمًا، وكذلك في عصر النقود الورقية في عصرنا هو الزيادة في عرضها نتيجة تزاوج عنصر (الإلزام) مع قلة الخبرة والدراية، أو (الإساءة) في عملية الإصدار من قبل السلطات، ومن هنا كانت مشكلة التدهور في القيمة الحقيقية للنقود الورقية أو الفلوس مشكلة ذاتية التوليد، وهذا بخلاف نظام النقدين حيث كان عرضهما محكومًا بعوامل أخرى خارجة غالبًا عن نطاق تحكم السلطات التي تسك النقود. لذلك كان الارتفاع العام في الأسعار يحدث لأسباب أخرى متعلقة بعوامل الطلب والعرض، وهذه الأمور تجعلنا نؤكد أن النقود الورقية في حاجة إلى أحكام شرعية خاصة بها في قياس القيم الآجلة، وفي الوفاء بالحقوق والالتزامات الآجلة، وليس من المنطقي أو المعقول أن تؤجل هذه المسألة لحين بناء اقتصاد إسلامي جديد؛ لأن التشريع الإسلامي كان موجودًا حينما كان المجتمع الإسلامي في بدايته أو في مرحلة التكوين، ولم يكن أبدًا قاصرًا على المجتمع المثالي الذي أصبحت فيه الدولة الإسلامية قائمة بذاتها، مطبقة الشريعة في كافة أركانها.