تاسعًا – مَن المستحق للتعويض حينما يتقرر ذلك في ظروف التضخم؟ هذا سؤال هام يحتاج إلى إجابة متأنية. فالمفروض أنه حينما يتقرر التعويض يصبح حقًا لكل من تعرّض للمشكلة. فالأجراء أو الموظفون المتعاقدون بعقود عمل طويلة الأجل مع أصحاب الأعمال يستحقون تعويضًا سنويًا يتقرر لهم، حتى لا تتدهور القيمة الحقيقية لدخولهم، وكذلك لا يختلف عنه من قاموا بإيجار عقارات سكنية أو أراضي أو غير ذلك بعقود طويلة الأجل. وأصحاب الحقوق من الدائنين الذين باعوا بضاعة بالأجل أو أقرضوا الغير قروضًا حسنة لأجل طويل. ولكن الحقيقة من الجهة الاقتصادية البحتة أنه كلما اتسعت عملية التعويض، كلما أصبح لها آثارً جانبية، قد تعوق معالجة التضخم.
فالتعويض لا يغني في الواقع سوى زيادات نقدية تتقرر لأصحاب الحقوق بناء على ارتفاع المستوى العام للأسعار، وهذا في حد ذاته يعني تغذية العملية التضخمية مرة أخرى. ولذلك إن ضغط عمليات التعويض إلى حدها الأدنى أمر مرغوب. والدور الذي يمكن أن تضطلع به الحكومة هنا له أهميته. فمن الممكن إنشاء هيئات توفيقية تتوسط بين أصحاب الأعمال والعمال تشترك فيها الحكومة، وذلك لإجراء تعديلات تلقائية في معدلات الأجور بما يتناسب مع التغيرات الحقيقية في الإنتاجية في الصناعات وفي القطاعات المختلفة على النحو الذي لا يؤدي في حد ذاته إلى التضخم.
أما حينما يحدث تضخم لأي سبب آخر فإن الهيئات التوفيقية سوف تسعى للحد من التسابق بين الأجور والأسعار، حتى لا يتسارع معدل التضخم. وهذه الآلية ستصبح مستقلة عن عمليات التعويض ولكنها ستعني أن هناك حماية جزئية بدرجة أو بأخرى للدخول الحقيقية للعمال التي تتم تلقائيًا على نحو لا يؤدي إلى مزيد من التضخم.
أما أصحاب العقارات والأراضي المؤجرة، فمن الواجب نصحهم بأن يضعوا شرطًا في عقود الإجارة بما يضمن تجديدها كل عام، وهذا الشرط في حد ذاته يعتبر ضمان لهم في ظروف الارتفاع الشديد للأسعار بين عام وآخر. ويبقى بعد ذلك أصحاب الحقوق المترتبة على ديون أو قروض، فهؤلاء يستحقون التعويض حينما تتدهور قيمة النقود التي لهم في ذمة الغير والحكومة مسئولة عنهم، وليس هناك بديل لهم سوى هذا الحل إلا أن يتبرعوا بما خسروه نتيجة هذه الظروف، وهذا أمر يرجع إلى كل واحد منهم، ولكن لا يمثل سياسة عامة.