وقبل أن نختم لابد من بيان ثلاثة أمور:
١- مسؤولية الحكومة عن التعويض:
الحكومة في المجتمع الإسلامي تتحمل مسؤولية كبيرة في الحفاظ على المجتمع بتحقيق المصالح له ودرء المفاسد عنه، ومن ذلك إقامة ميزان العدل بين الناس، وكف المفسدين والمتطاولين، والمال عصب الحياة في المجتمعات الإنسانية، والمحافظة عليه مقصد من مقاصد الشريعة الكلية، والحكومة أول المطالبين بذلك، فلابد أن تحرص في سياساتها المالية وتصرفاتها في الشؤون الداخلية والخارجية على ما يكفل الثبات النسبي للعملة؛ لأنها هي المقياس الحقيقي للثروات التي بأيدي الناس، فإهمالها وعدم الاحتياط في السياسات المتعلقة بها يؤدي إلى ضياع ثروات الناس، وبالتالي خسارة المجتمع وانحطاط الاقتصاد بوجه عام، مما ينتج عنه ضعف الدولة أيضًا.
ويمكن في النظر الشرعي أن تتحمل الدولة نتيجة خطئها في بعض السياسات التي يترتب عليها حدوث التضخم أو زيادته إلى الحد الذي يؤدي إلى تآكل الثروات، فيتعين عليها حينئذ تعويض من تضرر بسبب ذلك من أرباب الأموال، كما أن عليها أن تنهج نهجًا حازمًا في تطبيق الحلول الشرعية لمعالجة آثار التضخم بين الناس، وإلزام المماطلين والمعتدين بإعادة الحقوق إلى أصحابها على الوجه الذي تتحقق به العدالة، وينتفي به الظلم.
وإذا كانت هي طرفًا في بعض المعاملات كالأجور والمرتبات، فإن عليها في حال التضخم أن تؤدي ما يلزمها حيال المتضررين.
٢- نسبة التغير المؤثرة في العملة والتي تستدعي الحل:
هناك من قدر هذه النسبة بالثلث كما في الجائحة، وهو تقدير له نظائره في عدد من الأحكام الشرعية حيث اعتبر في بعضها فاصلًا بين القليل والكثير، ولكن هذا لايمنع من ربط تقدير النسبة بما يقرره الخبراء، تحقيقًا لما يسمى بالتغير الفاحش؛ لأنه في بعض الأحيان قد يتحقق هذا في أقل من الثلث وقد لا يتحقق إلا فيما هو أكثر من الثلث.
٣-مفهوم الصلح الواجب:
وهذا يشترط له عدد من الأمور:
أ- ألا يخالف الشرع.
ب- أن يكون عاقد الصلح ذا أهلية شرعية لعقده.
ج- ألا يكون أحدهما كاذبًا في الدعوى على خصمه؛ لأنه أكل لأموال الناس بالباطل.
د- أن يكون المصلح من أهل العدل والعلم والتقي، حتى لا يحابي ولا يجور.
وإذا وقع الصلح بهذه الشروط ودخلا فيه برضاهما فإنه يصبح ملزمًا لهما (١) ، وإذا اشترطاه في العقد فهو شرط مقبول ويجب قبول نتيجته بعد ذلك لأنه دخل في العقد، فوجب الوفاء به امتثالًا لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] .
والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(١) الشيخ عبد الله بن منيع، التضخم أسبابه وعلاجه والمصالحة في حال وقوعه، ص ٥٢ - ٥٦.