للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: تبقى الحلول العلاجية للآثار التوزيعية للتضخم وتغير قيمة العملة، وهي حلول تتميز بالسرعة من جهة، والقابلية للتطبيق بدرجة أكبر من جهة ثانية، إضافة إلى مالها من خاصية الإسعاف ورفع المضار بدرجة مناسبة من السرعة بدلًا من ترك الحال على ما هو عليه إلى أن يتم إنجاز حلول دائمة، وجميع الأفكار المطروحة حيال هذه الحلول تلتقي على أنها ليست حلًا للمشكلة، بل هي علاج لبعض آثارها، ومعنى ذلك ضرورة الوعي بأهمية القيام بالحلول الجذرية بشكل متواز مع هذه الحلول، وألا يؤدي العمل بها إلى عرقلة أو عدم الاهتمام بالحلول الدائمة.

ثالثًا: تقديم علاج شرعي لآثار التضخم وتدهور قيم العملات، وخاصة ما يتعلق منها بما يلحق بأطراف التعاقدات المالية الآجلة، من الصعوبة بمكان، ومرجع ذلك أن المشكلة بالغة التعقيد؛ لما يكتنفها ويحيط بها ويؤثر فيها من عوامل واعتبارات متعددة متعارضة، فهناك الربا وهناك الغرر والجهالة، وهناك العدالة وهناك الضرر، وهناك مآلات الأمور من الناحية الاقتصادية والناحية الشرعية، وهناك الطبيعة الفريدة للنقود الورقية المعاصرة وللأنظمة النقدية السائدة المغايرة تمام المغايرة للأنظمة النقدية التي كانت سائدة من قبل، وهناك النصوص العامة الحمالة للتفسيرات والتأويلات، وقد اعترف بهذه الصعوبة صراحة بعض الفقهاء القدامى، فيقول الإمام الرهوني: " إنها مسألة اضطرب فيها المتقدمون والمتأخرون " (١) ، ويقول ابن عابدين: " إنها مسألة ذات اشتباه، وهذا غاية " ما ظهر له فيها (٢) وبرغم ما لهذه المشكلة من هذه التعقيدات، فإن لها وجهًا ميسرًا يتمثل في كونها - باتفاق الفقهاء وخاصة المعاصرين - مسألةً اجتهادية، وبالتالي فهناك مجال فسيح لإعمال العقل، وهناك ساحة متسعة للرأي والرأي الآخر، ولا شك أن ذلك ييسر المهمة أمام فقهاء العصر، ومن جوانب عظمة التشريع الإسلامي أنه حيال هذا اللون من القضايا يقدم العديد من المخارج والحلول التي يمكن من خلال بعضها على الأقل التعامل الفعال مع هذه المشكلات، لكن ذلك يبقى رهين التصرف الصحيح مع هذه المخارج وتوظيفها التوظيف الجيد، ولا يقوى على ذلك إلا من رزقه الله تعالى صحة فهم وبعد نظر، والحمد لله فذاك متوفر لدى جميع من تناول هذه القضية من المشاركين في أعمال المجمع.


(١) الرهوني، حاشية الرهوني: ٥ / ٢٠.
(٢) ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، دار الفكر، بيروت، (١٩٦٦م) : ٤ / ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>