للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ – عدم حجب المهام أو الوظائف التي تظل الطاقة لأدائها متوافرة في المسنين، ولاسيما ما لا تحتاج إلى قوة بدنية.

إن تشجيع روح المبادرة الفردية والشجاعة الأدبية مما يقتضيه الأدب والخلق الإسلامي، سواء لدى الصغار أو الكبار، وذلك يساعد على تكوين الشخصية بالنسبة للصغار، وضرورة احترام الكبار،

فلا يستهان بأي عمل قدمه الكبير، إذا كان يصلح نواة للتعديل والإكمال، والتحسين والإنهاء، ولا يصح حجب المهمة عن الكبير أو منعه من ممارسة الوظيفة المناسبة لإمكاناته وطاقاته الفكرية وإسهامه في الإنجازات المختلفة بحسب الميول والخبرات، دون إرهاق جسده أو توريث الوهن والضعف في قواه البدنية، فحينئذ لا نحمله ما لا يطيق، فإن جميع التكاليف الشرعية والدنيوية تعتمد على الطاقة أو الاستطاعة، قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] . وقال سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] . وقال صلى الله عليه وسلم: (( ((فإذا كلفتموهم فأعينوهم)) )) (١) .

والتكليف أيًا كان نوعه يعتمد على وجود المشقة المعتادة، دون المشقة غير المعتادة. أما المعتادة فهي المشقة التي يستطيع الإنسان تحملها دون إلحاق الضرر به، وهذه لم يرفعها الشارع من التكاليف وهي أمر واقع، فإن كل عمل في الحياة لا يخلو عن مشقة. وأما غير المعتادة أو الزائدة فهي التي لا يتحملها الإنسان عادة، وتفسد على النفوس تصرفاتها، وتخل بنظام حياتها، وتعطل عن القيام بالأعمال النافعة غالبًا، وهذه لم يقع التكاليف بها شرعًا؛ منعًا من الوقوع في الحرج والعنت والأذى (٢) .

إذا عاملنا كبار السن بهذه الروح الطيبة والمشاركة الفاعلة، فإننا نكسب منهم المزيد مع تنامي الخبرات، ونحميهم من الاسترخاء والكسل الذي يؤدي عادة إلى كثرة الهموم والقلاقل والأمراض وضعف الجسم، ونسهم بهذه المشاركة في ملء الفراغ لديهم، وإشعارهم بكرامتهم وذاتيتهم وأهميتهم في الحياة، دون أن يحسوا بأنهم أصبحوا ثقلاء أو أعباء على غيرهم.


(١) أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(٢) تاريخ الفقه الإسلامي للسايس، ص ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>