للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حقوق المسنين

فهي كثيرة ومتنوعة، وذات أبعاد إنسانية واجتماعية ووطنية، ولابد من الاعتراف بهذه الحقوق؛ لأن الكبر حلقة من حلقات التاريخ، وجزء لا يتجزأ من وجود كل إنسان أو مجتمع في الغالب، وتقتضي نصوص شريعتنا ومبادئ وأحكام ديننا توفير الكرامة والاحترام والتقدير والحياة الطيبة الرغيدة والهانئة لكبار السن، وتلبية احتياجاتهم، وتحسين أوضاعها المعيشية، وتوفير الخدمات الأساسية لهم، من النواحي النفسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والترويحية، وتصميم البرامج والمشروعات التي توفر لهم أوضاعًا حياتية وحقوقية وإنسانية أفضل.

ولا بد من التركيز على معالجة أمراض الشيخوخة وتقديم العلاج المناسب لهم، وإنشاء مراكز صحية في كل بلد أو حي كبير؛ تسهيلًا عليهم وتيسيرًا لتمكينهم من وجود الرعاية الكريمة بحسب ظروفهم، وذلك من مقتضيات البر والإحسان والوفاء والإنصاف لهم؛ لأن الشيخوخة امتياز وبركة ووقار، وإكرام المسنين مما يدعو إليه الإسلام والأخلاق الكريمة في مجتمعنا العربي والإسلامي، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (( ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا)) )) . وقوله أيضًا: (( ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم)) )) .

وإذا لم يكن للمسنين أهل أقرباء من أولاد أو إخوة، وجب توفير دور الرعاية ومأوى العجزة لهم، إما مجانًا وهو الأفضل والأكرم، وإما بأسعار مخفضة ومعقولة، لاسيما إذا تعذر على الأقرباء أحيانًا تقديم الخدمة اللازمة بسبب الحاجة إلى رعاية خاصة لا تتوافر في الشخص العادي.

ومن ألزم ما يجب وهو الغالب فعلًا: الإنفاق على المسنين لكثرة حاجاتهم، إذا فقدوا القدرة على الكسب، ولم تكن لديهم أموال أو موارد كافية، وهذا يوجبه نظام النفقات في الإسلام على كل قريب، وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: ٣٦] .

ومن مقتضيات التكافل الاجتماعي في الإسلام إيجاد أنشطة وأماكن مخصصة للمسنين تحقق لهم استمرار الحيوية وعذوبة الأمل، وتكفل لهم تمكينهم من إثبات الذات ودوام الاستفادة من خبراتهم في مشاغل فكرية أو يدوية، أو ورشات عمل ذات مهارات متخصصة تتناسب مع إمكاناتهم.

ولا يصح بحال حجب المهام أو الوظائف التي يتمكنون من أدائها، بحسب القدرة والطاقة، لاسيما ما لا يحتاج إلى قوة بدنية؛ لملء فراغهم والتخلص من مرض التقاعد ومآسيه والقسوة في فرضه عليهم بحسب النظام السائد.

وفي آخر الحديث وضعت مشروعًا يصلح وثيقة عامة تبرز حقوق المسنين، انطلاقًا من مبادئ الإسلام الاجتماعية والأخلاقية، مفادها أن إكرام المسنين والحفاظ عليهم وضرورة رعايتهم حقٌ أصيل من حقوق الإنسان، وأنه ينبغي تخصيصهم بمعاملة كريمة رحيمة ملؤها الحب والحنان والعطف ومراعاة ظروفهم، وأنه يلزم إمدادهم بما يحتاجون من المال، بتعاون المؤسسات الاجتماعية والدولية، والمبادرة إلى إصدار قانون خاص بالشيوخ لتدريبهم والإفادة منهم ورعايتهم صحيًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>