للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك أحب أن أقول شيئًا في هذا، أنه سبق لكثير من الفقهاء القول بإيجاب الزكاة في هذه الأشياء ولهم أكثر من اتجاه، فهناك من ينظر إلى أعيانها كما حكى ابن القيم عن ابن عقيل، الإمام ابن عقيل الحنبلي وهو إمام مشهور ذو باع طويل وصاحب الفنون، ابن عقيل قال: إن الزكاة في العقارات أو في الحلى كما ورد عن الإمام أحمد: الحلى إذا اتخذ للكراء، ورد عن الإمام أحمد رواية أن فيه زكاة خرج ابن عقيل على رواية الإمام أحمد تخريجًا: أن الدور التي تكرى ونحوها تكون فيها زكاة أيضًا، ونقل هذا ابن القيم عن ابن عقيل ولم يعترض عليه حيث إنه أقره في ذلك، هناك أيضًا بعض الأقوال في مذهب مالك ذكرتها في كتاب " فقه الزكاة "، وهناك رواية عن الإمام أحمد أيضًا: أنه من قبض كراء داره يزكيها عندما يقبضها، وهذا ذكره أيضًا ابن قدامة في " المغنى"، وهناك كل من يزكى المال المستفاد من الصحابة والتابعين يقول بزكاة هذه الأشياء عندما يقبضها، عندما يقبض الغلة، الإيراد. مذهب ابن مسعود ومذهب ابن عباس ومذهب معاوية من الصحابة ومذهب عدد من التابعين أن المال المستفاد، أي المال الذي لم يزك من قبل، الذي يقبضه صاحبه عليه أن يزكيه حين يقبضه، أي يزكيه حين يستفيده كما قال ابن عباس، وكان ابن مسعود يعطي العطاء ويأخذ من كل ألف خمسة وعشرين، يعني بيسموه الحجز في المنبع، وهكذا، وكذلك كان معاوية يزكى العطاء، وكان عمر بن عبد العزيز يزكى العطاء والجائزة، يخصم، فإن كل من يقوم بزكاة المال المستفاد عند قبضه يزكى غلة هذه العقارات، ولكن المذهب الذي اخترته هو ما ذهب إليه مشايخنا منذ ثلث قرن، المرحوم الشيخ خلاف وإخواننا السلفيون يعترضون علينا في المرحوم الشيخ خلاف والشيخ أبو زهرة والشيخ عبد الرحمن حسن رحمهم الله جميعًا- المرحوم أي المدعو له بالرحمة- فهؤلاء في سنة ٥٢ في حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدت بدمشق، ذهبوا إلى أن هذه العقارات والمصانع تزكى غلتها العشر، عشر الصافي قياسًا على الأرض الزراعية، أنا قلت: هناك يجب أيضًا لكي يكون القياس صحيحًا أن نعفي مقابل الاستهلاك، لأن الأرض الزراعية لا تستهلك في ٣٠ سنة يحسم ذلك على هذا السن التقديري أو العمر التقديري، هذا ما ذهبت إليه وأردت بذلك في الحقيقة أن أرد على الذين يقولون: إن الشريعة الإسلامية توجب الزكاة على الفقراء وتعفى الأغنياء، كما قال لي أحد الإخوة ونحنن نصعد الأسانسير في النفدق الذي نقيم فيه قال: انظر هذه الناطحة من ناطحات السحاب قلت له: ولكن لا يبدو أن ليس عليها زكاة لأن صاحب هذه الناطحة ممكن أن يأتي إليه الآلاف والملايين ومع هذا لا تجب عليه الزكاة لأنه لا ينتظر حتى يحول عليها الحول، ومنذ سنوات كنت في ماليزيا سألني مدير جامعة الملايو سؤالًا أثاره الشيوعيون هناك قالوا: إن الإسلام يوجب الزكاة على فقراء المزارعين صغار الزراع ويعفى كبار الملاك، سألني هذا السؤال فعرفت من أين أتى هذا السؤال، أتى هذا السؤال أن في مذهب الشافعي ويقرب منه بعض المذاهب الأخرى أن الزكاة لا تؤخد إلا مما يقتات على سبيل الاختيار، القمح، الذرة، والأرز، هذه الأشياء، أما مزارع التفاح والمانجو وجوز الهند والشاي والمطاط وغير ذلك وإن جلبت لصاحبها الملايين فليس فيها شيء، المجالس الإسلامية هناك حينما تأخذ الزكاة ممن يزرعون الذرة والقمح وهذه الأشياء وهؤلاء هم الفقراء ومعظمهم مستأجرون، أما كبار الملاك فلا تأخذ منهم شيئا، فقلت له: إن في مذهب أبي حنيفة الزكاة في كل ما أخرجته الأرض، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وقد جاء عن عدد من السلف وهو الموافق لعموم الآيات والنصوص، ولذلك رجحه القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابيه أحكام القرآن، وعارضة الأحوذي وقال إن مذهب أبي حنيفة هو أحوط للمساكين وأليق بشكر النعمة وأحق بتحقيق مقاصد الشرع ومصالح الخلق.. إلى آخر المقال، والإمام الشافعي لعله لو كان موجودًا الآن ورأى ما رأينا لغير رأيه ما يدرينا لعله يغير رأيه، وقد غير رأيه في مدة أقرب من هذا، كان له مذهب قديم في العراق ومذهب جديد في مصر، هذه المفارقات هي التي تجعلنا أيها الإخوة نقول بتوسيع وعاء الزكاة، فلا يعقل أن نقول: إن الشارع قصد إلى إعفاء الغنى وإيجاب عبء الزكاة على الفقير، أليس هذا صاحب ناطحات السحاب وغيره أليسوا محتاجين إلى تطهير أنفسهم وتزكية أموالهم؟ {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أليسوا محتاجين إلى التطهير والتزكية؟ هم محتاجون وأموالهم محتاجه بل هم أكثر من غيرهم حاجة إلى هذا التطهير وإلى هذه التزكية.

أكتفى بهذه الإشارات واللمحات وأسأل الله تعالى أن ينير طريقنا وأن يفقهنا في ديننا إنه سميع قريب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>