للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن ما يسمى اليوم بالنظام العالمي الجديد، والذي ظهرت بوارقه الأولى منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، لم يحقق في نظر معارضيه الغايات المرجوة منه، ولم يثمر من تقديرهم نتائجه المؤملة، وهم يرون أن استفراد القوى الصناعية الكبرى بحق التصرف في المقدرات العالمية، قد عمق التبعية الاقتصادية لدول العالم الثالث تجاهها بسبب الاحتياج الماس لمساعدات هذه الدول لأغراض التنمية، وتوسع الخرق الفاصل بين الشمال الغني والجنوب الفقير، ولم تتبلور المنظومة الجديدة في صورتها الجلية الواضحة، ولم تكشف عن نفسها، إلا بعد سقوط المعسكر الشرقي وتفكيك منظومته، لتفتتح بذلك مرحلة تاريخية جديدة فريدة من نوعها في العالم، تنتفي فيها الأضداد وينتصر فيها النموذج الأوحد، وتولدت عن هذا الوضع الجديد تكتلات سياسية واقتصادية جديدة، مستفيدة في ذلك من التطور التكنولوجي الهائل، خاصة في مجالات الاتصال، أمكن بفضله أن تنحصر المسافات وتتقلص الحدود، ليتحول العالم إلى قرية إلكترونية صغيرة.

هذا الموقف المتوجس خطرًا مما يمكن أن تجره العولمة من آثار سيئة، قد عبرت عنه نزعات الانطواء، وترجمت عنه الأصوات الداعية إلى العودة إلى الجذور والقيم الأولى، والتمسك بالثقافة التقليدية، كرد فعل ارتدادي على هذه التغيرات التي يراها البعض تهديدًا جديًّا للثقافات الوطنية والإقليمية، ونذير شؤم ينبئ باشتداد العواصف التي قد تقلع الجذور وتأتي على الأصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>