للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- حرية التدين:

وهو حق الإنسان في أن يختار دينه وعقيدته من غير إكراه ولا إجبار، لاعتبار أساسي هو حاجة الإنسان الماسة إلى تلبية حاجياته النفسية الوجدانية، لأن أصل كل حرية ينطلق من داخل النفس البشرية، فإذا ما تم لها ذلك توجهت إلى العالم الخارجي في قوة وتوازن لتحقق ذاتها وفعلها الحضاري. ولأهمية هذا البعد المتصل بأعماق النفس البشرية، توجه الإسلام إلى رفع كل العوائق التي تتسلط على نفس الإنسان لتحوله إلى هيكل هزيل، خاو خال من كل روح إيجابية وإرادة فعالة، قال تبارك وتعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] ، وقال سبحانه: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩] . لقد فتح الإسلام أبوابه للإنسانية جمعاء، وتوجه بخطابه إلى الكل دون تمييز ولا إقصاء، واشترط في مقابل ذلك الإرادة الحرة في الاختيار، المبنية على دواعي الاطمئنان النفسي والاقتناع العقلي، حتى يسلم معتنقوه من غوائل الشك والريبة واعتلال الوازع الديني فيهم، فيقل تبعًا لذلك احتمالهم لتكاليفه وينضب صبرهم على تحمل مسؤولية القيام بأعبائه والاضطلاع بواجباته، وما محاربة الإسلام لظواهر النفاق العقدي والفكري والسلوكي، إلا من مستتبعات دعوته الصريحة إلى أصالة حرية التدين، إذ النفاق حالة نفسية مرضية، تتوزع فيها النفس البشرية بين دواع مختلفة متناقضة لا تستقر فيها على حالة قارة ثابتة خالصة من كل الشوائب، وهو تعبير عن حالة من التدهور النفسي والسقوط الأخلاقي والاضطراب السلوكي، وصفها القرآن بأبلغ وصف في قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: ١٠] . والنفاق - في حقيقته ومنطلقاته - يعكس في صورته خضوع النفس ووقوعها تحت سطوة الأهواء والنوازع المتناقضة التي تتجاذب النفس البشرية، ولا ريب أن العلاج منه، يستوجب دفقًا إيمانيًّا قويًّا وشعورًا عميقًا بحرية اختيار العقيدة التي يطمئن إليها معتنقها باعتبارها تكليفًا ومسؤولية يترتب عليها الجزاء، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ٧ - ١٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>