لقد تعالت أصوات المصلحين في بلادنا الإسلامية، منذ القرن التاسع عشر الميلادي، منادية بتعليم المرأة ورفع الجهل عنها، إذا كنا نروم حقًّا إصلاح اجتماعيًّا شاملًا يرقى بالمجتمع ويحقق نهضته، فالمرأة في نظر علماء الإصلاح، هي الأداة الفعالة لأي نهضة حقيقية مبتغاة، بالنظر إلى ما هي مؤتمنة عليه بحكم خلقتها وما أودعه الله فيها من ميزات وخصائص تلائم دورها في التربية والرعاية، وتمكنها من المشاركة الاجتماعية الإيجابية الفاعلة. فهي المدرسة الأولى للمجتمع بأسره، والمعلمة الأولى للبشرية، في رحمها وأحضانها تنشأ الحياة الإنسانية ويتحدد مصيرها.
وفي تاريخنا الإسلامي الحافل، عديد الأمثلة على نساء مسلمات جليلات برزن بعلمهن واجتهادهن، وضرب بهن المثل في الإجادة علمًا وأدبًا وخلقًا، ومنهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي روت الحديث وفسرت ما أغلق على أفهام الناس من آي القرآن الكريم، وأدلت باجتهادها في عديد الأحكام الفقهية، علاوة عن درايتها بالأنساب وقولها الشعر، وفي بلادنا تونس، مثل آخر لامرأة صالحة خيرة، جرى ذكرها على كل لسان، جمعت بين العلم الديني والأدب الخلقي، هي الأميرة المحسنة عزيزة عثمانة، وقد أوقفت حياتها وريعها خدمة لأبناء بلدها من المحرومين، فكانت نموذجًا رائعًا للمرأة المثالية في عطائها الإنساني وإحساسها التضامني التكافلي، وقدرتها الفعالة على الإسهام في حياة المجتمع التونسي الذي تفاعلت معه أخذًا وعطاء.