إن التعليم يعد من الحقوق الأساسية التي لا غنى عنها في كل عصر ومصر، والغرض منه تربية الإنسان منذ بواكير عمره في ملكاته النفسية والذهنية، وتنمية مداركه العقلية، وتهذيب مواهبه الفطرية وميولاته الطبيعية، معاضدة لدور الأسرة والمجتمع في إعداد أجيال المستقبل، وتأهيلهم نفسيًّا وعقليًّا للاضطلاع بالمسؤوليات التي ستوكل إليهم.
ولقد اختارت عديد من الدول في العالم اليوم، أن يكون التعليم إجباريًّا، غايتها في ذلك القضاء على الأمية، التي كانت لعهد غير بعيد، مستفحلة في عديد الأوساط والشرائح الاجتماعية، مما يعوق قدرة الشعوب على بلوغ أهدافها في التنمية والتقدم.
وإن تخلفت بعض الشعوب العربية والإسلامية في اللحاق بركب الأمم المتحضرة في هذا المجال وغيره، وعذرها في ذلك أنها لم تتخلص من الرواسب الاستعمارية إلا في زمن متأخر (النصف الثاني من القرن العشرين) ، فإنها لم تتوان عن استجماع قواها وقدراتها المتاحة من أجل تعميم التعليم على أبنائها، وتطوير مناهجه بإدخال العلوم الصحيحة التي لا بد منها للاستجابة للحاجيات المتنامية للمجتمعات المعاصرة.
وتونس، من هاته البلدان التي لم تدخر جهدًا، رغم قلة ذات اليد ومحدودية الإمكانيات، في صرف كامل طاقاتها منذ السنوات الأولى للاستقلال إلى تعميم التعليم ونشره، يحدوها في ذلك طموح لا متناه إلى التعويل على الرأسمال البشري كرصيد لازم لأي تنمية مرتجاة وتقدم مأمول. فالمدرسة، من منظور تونسي، هي المحضن أو الرحم الذي تزرع فيه بذور الشخصية المطلوب تشكيلها، وتتخلق وتنمو به قابليات الإنسان، وتكون شخصيته، وتنمي مهاراته، وتصوغ ثقافته. ولقد نجحت تونس، في رفع هذا الرهان أيما نجاح، واستطاعت أن تخطو خطوات عملاقة نحو الاعتماد على الكفاءات الوطنية، وأن تفيد بذلك غيرها من الدول العربية والإسلامية الشقيقة بما لها من الخبرات الجيدة في شتى الاختصاصات التعليمية والخبرات الفنية والتكنولوجية.