لا شك أن التربية النفسية والعقلية والسلوكية السليمة الصحيحة، شرط ضروري ولازم تهيئة التربة الصالحة التي نريد أن نبذر فيها بذور الحق والواجب، حتى ينشأ في الأجيال المتعاقبة الوعي الكامل بمستلزمات الحياة البشرية من حرية وكرامة ومساواة وعدالة.
ولقد كانت الفترة المكية زمن البعثة، والتي تواصلت زهاء ثلاثة عشرة سنة، قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، موجهة توجيهًا كليًّا إلى التربية العقدية والتأصيل الإيماني والتهذيب النفسي والعقلي والأخلاقي، وفق أسلوب من التدرج يراعي الخاصيات التي تتطلبها كل مرحلة من مراحل الدعوة إلى الدين الجديد. ثم تلت هذه الفترة الهامة، مرحلة التشريع للمجتمع الجديد الناشئ وفق ضوابط أخلاقية وسلوكية، ميزتها الشمولية لكل جوانب الحياة الفردية والجماعية، وقاعدتها المساواة بين كل الناس دون التفرقة بينهم لدواعي جنسية أو عرقية أو لغوية، وميزانها العدل في ترتيب الحقوق والواجبات على حسب ما تحتمله الطاقة البشرية من غير إسراف ولا تقصير.