هذه هي الصور المشرفة للمرأة في النظام الإسلامي مكتملة الشخصية مستوفاة الحقوق وأهل لأداء الواجبات، ولم يسلم لها بذلك إلا حديثًا على أيدي النهضات النسائية، وبعد الإسلام بما يزيد على عشرة قرون، وإن كان هناك من الأجيال من تنكر لها، واغتصب حقوقها، وحد من حريتها، واعترض نشاطها، وهذا بطبيعة الحال لم يكن من الدين في شيء، بل من جراء عدم فهم الخصوصية والتركيبة التكوينية للمرأة.
فمنذ فجر النهضة الأوروبية التي جمحت إلى الإفلات من القواعد والأصول والأعراف والتقاليد الاجتماعية وتمردت عليها، حاول المصلحون استدراك وضع المرأة وخروجها من النفق المظلم، وما لحق بها طوال سنون وقرون من إنكار لكيانها الإنساني وانتقاص لقيمتها، وانتهاك لحقوقها، كانت تأمل في الغد المشرق والأمل المبلسم لجرحها وانتهاك كرامتها وحقوقها، لكن مع ظهور الثورة الصناعية والحركة الآلية في أوروبا ودخولها في عالم المشاركة الوظيفية فاجأتها مشكلات، فهي مضطرة لضيق اليد والحيلة في الخروج مع الرجال والشباب إلى المدن وميادين العمل، وهناك تعرضت إلى مشاق الشغل، إضافة إلى زهادة الأجر، ومع ذلك ساومها الرجل على الأجر والمرتب الشهري، واستغل ذلك في قيامها بصرف ذلك على النفقات، ناهيك عن تعرضها للابتزاز الجنسي والمضايقة أثناء العمل، وترتب على هذا الإقدام الاضطراري انتشار البغاء وتضاعف عدد المومسات وفقدان العذرية، ولقد بلغ العدد التراكمي لحالات مرض نقص المناعة بناء على الإحصائية لمنظمة الصحة العالمية نحو (٤.٥) مليون حالة في مطلع ١٩٩٥م، وفي إحصائية الولايات المتحدة الأمريكية سنة ١٩٧٩م ولد مليون طفل غير شرعي، ومليون حالة إجهاض، وارتفعت نسبة الطلاق إلى (٤٠ %) من عدد الزيجات (١) .
وكما لا يخفى ما تعرضت له المرأة من معاملات قاسية وتشريد وقتل واغتصاب ورق وحمل قسري وإجهاض في القرن العشرين وذلك في بقاع كثيرة من العالم منها البوسنة والهرسك والشيشان.
(١) انظر: البحث القيم لشيخنا العلامة الدكتور محمد الحبيب ابن خوجة الموسوم (مجتمع الأسرة، مبادؤه وقيمه) ، والمقدم للأكاديمية المغربية سنة ٢٠٠١م، ص ١٥.