للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - عوامل اضمحلال الوقف الحاضر:

لكل ظاهرة تفسير وعوامل ترتكز عليها، فما هي العوامل وراء هذه الظاهرة؟

إن الإجابة المفصلة عن ذلك تتطلب العديد من الأبحاث المستقلة الكبيرة، لكثرة هذه العوامل من جهة، ولتعقدها وتشعبها من جهة ثانية، ولتعدد طبائعها من جهة ثالثة.

وليس من مهمة هذه الورقة الدخول في لجة هذا الجانب ولا حتى السير في طريقه، وإنما فقط الإطلالة عليه من خلال الإشارة السريعة إلى بعض ملامحه الكبرى.

وبرغم كثرة وتنوع وتشعب هذه العوامل فإنه يمكن حصر أهمها في بنود رئيسية على النحو التالي:

١ - الضبابية المعرفية للبعد الفقهي للوقف لدى أعين الكثير من الناس حتى من كان منهم من رجال الفقه والفكر، فلقد شاع لدى الكثير العديد من التصورات والمواقف المتعلقة بفقه الوقف، وهي في حقيقتها غير صحية فقهيا، وقد أسهم ذلك بقوة في انزواء الوقف دوره، أذكر من ذلك ما يلي مجردا من التأصيل والتحليل لأن ذلك يخرج الورقة عن مقصودها الأساسي:

أ- شاع أن الموقوف من الأموال إنما هو فقط الأموال الثابتة من أراض وعقارات، ولا مجال للأموال المنقولة، ومن باب أولى لا مجال للنقود في أن تكون محلا للوقف، والصحيح فقهيا غير ذلك، فجميع المذاهب الفقهية الإسلامية متفقة على أن الأموال الثابتة تصح محلا للوقف، والكثير من المذاهب ومن العلماء في بعض المذاهب يجيز وقف الأموال المنقولة، ويجيز - بالنص والتصريح - وقف النقود، بل ويجيز وقف المنافع كنوع من أنواع الأموال (١) ، وبالتالي فما يشيع لدينا اليوم حيال هذه المسألة غير صحيح فقهيا وشرعيا.

ب - شاع أن الوقف يكون على طريق التأبيد وليس التوقيت. وهذا غير صحيح فقهيا، والصحيح أن هذا هو موقف بعض المذاهب، بينما يذهب البعض الآخر إلى جواز كون الوقف مؤقتا. (٢)


(١) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة: ٤ / ٧٦؛ الرملي، نهاية المحتاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت: ٥ / ٣٦٠؛ النووي، روضة الطالبين، دار الكتب العلمية، بيروت: ٤ / ٣٧٨.
(٢) الدسوقي، مرجع سابق: ٤ / ٨٧؛ ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة، دار الغرب الإسلام، بيروت، ١٤١٥ هـ: ٣ / ٣٧؛ ابن قدامة، المغني، مرجع سابق: ٥ / ٦٢٣؛ الماوردي، الحاوي الكبير، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، ١٤١٤ هـ: ٩ / ٣٨١؛ أحمد ين يحيى المرتضى، عيون الأزهار، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ١٩٧٥ م، ص ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>