للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأي ابن حزم وتعقيبه على الآراء المخالفة:

يرى ابن حزم أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرا عنده منه ما يبلغ النصاب، وأتم عنده حولا، ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين.

ويعلل هذا بقوله:

(إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده، ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء، وعما لا يملك، وعن شيء لو سرقه قطعت يده، لأنه في ملك غيره) (١) .

أما الدائن فلا زكاة عليه حتى يقبض الدين ويتم عنده حولا:

يقول ابن حزم:

(ومن كان له على غيره دين؛ فسواء كان حالا أو مؤجلا، عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء، ولا زكاة فيه على صاحبه، ولو أقام عنده سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، لا حينئذ ولا بعد ذلك، الماشية والذهب والفضة في ذلك سواء) (٢) .

وأيد مذهبه بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: (ليس في الدين زكاة) ، وبأن لصاحب الدين عند غريمه عددا في الذمة وصفة فقط، وليس عنده عليه مال أصلا، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد، والفضة تراب بعد، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته؟! (٣) .

وذكر ابن حزم آراء القائلين بأن الدائن يزكي الدين وعقب عليها بقوله: (أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له، وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين العشر، وفي خمس من الإبل شاتان) .

(وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد، إلا عن عمر بن عبد العزيز، وقد صح عنه خلاف ذلك، ومثل قولنا.

وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد، وقوله تخليط لإخفاء به) .

وقال في موضع آخر: (إن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما، لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين) (٤) .

ولم يعلق ابن حزم على ما أورده من آراء الصحابة والتابعين القائلين بأن الدائن يزكي الدين.


(١) المحلى: ٦ /١٣١-١٣٤
(٢) المحلى: ٦/ ١٣٦
(٣) المحلى: ٦/ ١٣٨- ١٤٠
(٤) المحلى: ٦/ ١٣٨- ١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>