الوعد بالتمليك أو الوعد بالتملك دون المواعدة الملزمة للطرفين
لا مانع كما تقدم من صدور وعد من المصرف للمتعامل معه في الشركة المتناقصة بتمليك حصته بقيمتها السوقية، وهو وعد أخلاقي وديني من جانب واحد لا ضرر فيه ولا يتنافى مع الشرع أو مقتضى العقد، أما المواعدة الملزمة للطرفين فهي أشبه بتعاقد ضمني يجر الموضوع إلى عقدين في عقد، وهذا منهي عنه، فلا يستساغ اللجوء إليها في الشركة المتناقصة ونحوها، ويكون إنجاز الوعد مشروطا بشرط إبرام البيع بصفة مستقلة لا صلة له بعقد الشركة، ويتم البيع إذا قام المشتري بتسديد قيمة الحصة المشتراة.
وقد أصبح هذا الوعد من جانب واحد معمولا به في حالات مشابهة، منها بيع المرابحة المقترنة بوعد بالشراء من العميل على أن يتم تفادي صورية بعض العقود، وتفريغ العملية من أصولها الشرعية، وتجنب شبهة الإقراض بفائدة، ويظهر ذلك حين الإكثار من هذا التعاقد، أما في حال حسن النية واللجوء إلى هذا العقد أحيانا، فلا مانع منه فقها، عملا بما أقره الإمام الشافعي رحمه الله، مع إعطاء الخيار لأحد الطرفين.
والوعد من جانب واحد ملزم له ديانة، ويحرم الخلف في الوعد، لأن مخالفة الوعد كذب ونفاق، ولقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١] وهذا متفق عليه. أما الإلزام بالوعد قضاء فلا يقول به جمهور العلماء.
ومع ذلك نجد بعض المفتين يقول بالإلزام القضائي، منهم بعض الصحابة (ابن عمر وسمرة بن جندب) ، وبعض التابعين (عمر بن عبد العزيز والحسن البصري) ، وبعض الفقهاء (ابن شبرمة وإسحاق بن راهويه، وابن الأشوع قاضي الكوفة بعد المائة) وبعض المحدثين (البخاري) . وجعل ابن القيم الوعود مع العقود والعهود والشروط الواجب الوفاء بها، وذهب المالكية في المشهور عندهم في باب الإحسان والمعروف، أي التبرعات لا المعاوضات إلي القول بوجوب الوفاء بالوعد والإلزام القضائي به إن صدر بسبب، ودخل الموعود من أجله في نفقة أو كلفة شيء التزمه، ومن قواعد الحنفية:(المواعيد بصور التعاليق تكون ملزمة)(م ٨٤ مجلة)(١) .
ويستأنس لهذا الاتجاه بقرار مؤتمر المصرف الإسلامي في دبي في جعل الوعد ملزما حيث جاء فيه:(إن ما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخل فيه) .
وللقاضي التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، وخلف الوعد معصية، ومن أمارات النفاق العملي، لا العقدي.
(١) (ومن المعلوم أن التفرقة بين الاعتبار الدياني والاعتبار القضائي هو اصطلاح الحنفية فقط دون غيرهم، حيث لا تفرقة بينهما عندهم، وقد أفاض الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) في جعل الوعد الكاذب من آفات اللسان المحرمة شرعا)