وأرجو أن نلاحظ هنا كيف كان فقهاؤنا؟ انظروا إلى ما قاله إمام دار الهجرة بعد أن بين أن الفلوس تأخذ نفس الحكم ما دامت أثمانًا.
قال: لو أن الناس اتخذوا الجلود حتى يكون لها سكة وعين (فتكون مثل الدنانير والدراهم) لكرهتها أن تباع نظرة (أى نسيئة وتأجيلاً) ، أي لا بد أن يكون القبض في المجلس. ننظر إلى هذا القول من الإمام مالك.
الفلوس تأخذ حكم الدنانير والدراهم، ليس هذا فقط بل إذا وجدنا الناس يتعاملون بالجلود، فأصبحت الجلود مقياسًا للقيمة ووسيلة للتبادل، وتحظى بالقبول العام، هنا تأخذ نفس الحكم؛ لأنها أصبحت نقودًا، فتأخذ نفس الحكم.
الذين قالوا بأن العلة هي الوزن، قالوا هنا: مع أن هذه من النحاس، والنحاس يوزن، إلا أن هذا خرج عن الوزن، فأصبح بالعد، فلا يأخذ الحكم، ولكن إذا كان النحاس عملة رائجة، فلا يجوز أن نتبادل مع الزيادة.
الشافعية مع أنهم قالوا بأن العلة هي الثمن، قالوا: هذا لا ينطبق على الفلوس؛ لأنها عروض وليست أثمانًا.
علماء خراسان من الشافعية رأوا الفلوس تروج هناك، فقالوا: تأخذ نفس الحكم، وجمهور الشافعية اعتبر هذا رأيا شاذًا، فلم يوافقوا علماء خراسان.
وتأتي هنا مناقشة لطيفة بين فقهاء الحنفية وفقهاء الشافعية، قال الحنفية للشافعية: أنتم قلتم بأن العلة هي الثمنية، وأن هذه العلة قاصرة، لا تتعدى الذهب والفضة، فما قيمة هذه العلة؟ ما دمنا قد أخذنا الحكم من النص، بالنسبة للذهب والفضة، فالعلة إنما هي للتطبيق؛ لإلحاق شيء بشيء، أما أنتم فلم تلحقوا.
فرد الشافعية هنا بقولهم: إن العلة القاصرة لها فائدتان:
الأولى: حتى نعلم أن هذه الأشياء لا يقاس عليها، فلا نطمع أن نقيس عليها شيئًا آخر.
والثانية: أنه قد يجدّ شيء يشترك مع هذه الأشياء في العلة، فيلحق بها.
معنى هذا أنهم رأوا في وقتهم، ما جاء شيء يلحق بالذهب والفضة.
واعتبروا أن النحاس ليس من الأثمان، والعملة النحاسية عملة صغيرة، ولذلك كلمة المفلس تطلق على من لا يملك إلا الفلوس.