للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك اتجاه فقهي آخر وهو استبقاء الحكم الأصلي لمكونات الوعاء الاستثماري، فإذا لم يمكن الفصل بينها ليطبق على كل نوع حكمه فإنه يمتنع التداول والتخارج والاسترداد، ودليل هذا المبدأ الحديث الوارد فيما أطلق عليه (قلادة خيبر) :

عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب وزنًا بوزن)) ، وفي رواية أخرى عن فضالة قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تباع حتى تفصل)) (١) .

وهذه الحادثة لفضالة تكررت بينه وبين أحد التابعين، كما في الخبر التالي الذي يبين آلية التعامل في هذا المبيع المختلط.

عن عامر بن يحيى المعافري عن حنش أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق (فضة) وجوهر، فأردت أن اشتريها، فسألت فضالة بن عبيد فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، واجعل ذهبك في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلًا بمثل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلًا بمثل)) (٢) .

وتأويل ذلك الحديث وهذا الأثر أنهما يتعلقان بالحالة التي يكون فيها الذهب (أو النقود) هو المقصود بالشراء، ويكون ما عداه تبعًا، فكان شرط التماثل والحلول واردًا سدًّا للذريعة إلى تعطيل أحكام ربا الفضل وربا النسيئة.

أما إذا كان التعامل من خلال وعاء مشترك لا يتجه فيه القصد إلى الأصول السائلة (النقود أو الديون) فإن هذه حالة مستجدة مختلفة عن تلك، ولا يتناولها النص المشار إليه، لأنه لم تكن في صدر الإسلام أمثال هذه المؤسسات المالية التي تقوم على أساس تكوين أوعية استثمارية مشتركة مستمرة يقع فيها دائمًا التخارج والاسترداد، وهي حالة تقتضي استخراج أو استنباط حكم يلائمها من مقررات الفقه، تطبيقًا للمبدأ الشرعي بأن تصرفات المسلم تصان عن الإلغاء ما أمكن ذلك، وفيما يلي تفصيل القول في هذا الموضوع.


(١) أخرجه مسلم: ٥/ ٤٦ ـ ٤٧، طبع العامرة
(٢) المغني، لابن قدامه: ٤/ ٣٢ ـ ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>