وإسهامًا منا ـ ولو بنقير ـ في مجال أسلمة وسائل الاستثمار الحديثة، عنيت هذه الدراسة بتحقيق القول في مسألة المضاربة التي تعرف في العصر الراهن في أروقة الباحثين المعاصرين بالمضاربة المشتركة، ذلك لأن هذه المضاربة غدت اليوم إحدى الوسائل الاستثمارية الهامة التي يوظفها كثير من المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة، وتصبو مؤسسات مالية إسلامية أخرى إلى توظيفها، بيد أن ثمة توجسًا إزاء بعض قضاياها ومسائلها، مما يملي على الغَيَارى استفراغ الطاقة من أجل توجيه تلك المسائل والقضايا توجيهًا إسلاميًا مترابطًا ومتناسقًا، ومن أجل إزالة الغبش عن الحل الإسلامي الأمثل لمختلف المسائل والمشكلات الاقتصادية والمالية الراهنة.
وتأتي هذه الدراسة المتواضعة لتقدم ـ اليوم ـ قراءة نقدية لهذه المسألة وتحرير القول في عدد من مسائلها وقضاياها، فضلًا عن تقديم اقتراح مفاده ضرورة الاستغناء عن مصطلح المضاربة المشتركة واستبداله بمصطلح المضاربة المطلقة المطورة في نطاق الاستثمار الجماعي، ذلك أن مرد توجس الكثيرين من توظيف هذه الوسيلة الاستثمارية إلى ما يحمله هذا المصطلح من مضامين ومعاني غير محررة، فضلًا عن أن اختراعه انبنى على فرضية غير سديدة وهي دعوى عجز المضاربة التقليدية عن الوفاء بحاجات الاستثمار المالي المعاصر، والحال كل الحال أن المضاربة التقليدية وخاصة المضاربة المطلقة تنتظم مرونة وسعة تفيان بحاجات الاستثمار المالي الجماعي المعاصر في جميع أشكاله وأنواعه وقضاياه.
ولهذا، فإن هذه الدراسة حاولت أن تثبت ضرورة إحلال مصطلح المضاربة المطلقة محل مصطلح المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية المعاصرة، أملًا في تحقيق تواصل علمي مع تراثنا الفقهي الزاخر، وحفاظًا على مصطلحاته القادرة على استيعاب مستجدات العصر، وخروجًا في الوقت نفسه من الاختلافات التي ثارت ولا تزال تثار حول كثير من قضايا ومسائل المضاربة المشتركة نتيجة الغموض الذي يلتف حول هذا المصطلح.
وعلى العموم، لقد اشتملت الدراسة على أربعة مباحث، كان أولها توضيحًا لمفهوم مصطلح المضاربة المشتركة، وأما المبحث الثاني فقد خصصته لدراسة أثر تكييف العلاقة بين أشخاص المضاربة المشتركة، وتناول المبحث الثالث دراسة نقدية لعدد من المسائل المنسوجة حول فكرة المضاربة المشتركة، وأما المبحث الرابع فقد أودعته تحقيقًا لأهمية إحلال مصطلح المضاربة المطلقة محل مصطلح المضاربة المشتركة، واحتضنت الخاتمة أهم نتائج الدراسة، تلك هم أهم ما اشتملت عليه هذه الدراسة، وأملنا أن تحظى بتنقيح وتصحيح أهل العلم المشاركين في هذه الندوة المباركة، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت! .