للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسنبحث في كل نقطة من هذه النقاط الثلاث في ما يلي:

النقطة الأولى: هل إن عقد التأمين الصحي يحتوي على غرر كبير مفسد للعقد؟

بعد مراجعتي للنصوص اللغوية التي تفسر الغرر، والنصوص الشرعية التي تنهى عن الغرر ـ ولا ريب في أنها لم تخترع اصطلاحًا جديدًا له، بل تقصد الغرر العرفي الذي نعرفه من كلمات اللغويين ـ وما فهمه الكثير من الفقهاء من هذا المصطلح استطعت أن أخلص إلى أن الغرر المتصور هنا ليس من الغرر المنهي عنه، وهو الجهالة المؤدية إلى التشاح الذي يمنع من تنفيذ الصفقة (كما يعبر الحنفية) (١) أو المخاطرة المفضية إلى التنازع (كما يعبر الشيخ الأنصاري) (٢) .

والذي نعتقد أن مسألة (الغرر) تحتاج من المجامع الفقهية إلى بحوث مفصلة تتناول بالدقة الأمور التالية:

١ ـ تعريف الغرر تعريفًا عرفيا يتناول هذا المفهوم بشكل تاريخي ويحدده على ضوء النصوص العربية الأصيلة، بعيدًا عن أي تصنع أو إضافة أو تأثر بفهم آخرين لم يعاصروا النص ولم يحيطوا بكل جوانبه. ونحن نعلم أنه ليس هناك اصطلاح فقهي خاص اعتمدته النصوص الإسلامية بعيدًا عن مفهومه العرفي، وهذا هو ديدن الشارع في كثير من الشؤون، وبالخصوص في شؤون المعاملات العرفية.

جاء في لسان العرب في مادة (غرر) بحث مفصل ننقل عنه ما يلي:

غره يغره غرًا وغرورًا وغرة فهو مغرور وغرير: خدعه وأطعمه بالباطل.

وفي الحديث: ((المؤمن غر كريم)) أي ليس بذي نكر، فهو ينخدع لانقياده ولينه، والغرر ما غرك من إنسان وشيطان، وخص يعقوب به الشيطان.

وقوله تعالى: {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: ٥] قال الفراء: يريد به زينة الأشياء في الدينا.

ويقال: وأنا غريرك من فلان، أي أحذركه.

وقيل: بيع الغرر ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول.

هذا وقد ذكرت الموسوعة الفقهية أن كتب اللغة تفسره بالخطر (٣) ، وجاء هذا التفسير في كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري، وأضاف بأنه جاء في القاموس ما ملخص تفسيره: غرره بأنه خدعه وأطمعه في الباطل. . . وعن النهاية بعد تفسيره الغرة بالغفلة أنه نهى عن بيع الغرر، وهو ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول، وقال الأزهري: بيع ما كان على غير عهدة ولا ثقة، ويدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول (٤) .


(١) (نقلاً عن: نظام التأمين، للأستاذ مصطفى الزرقا)
(٢) (المكاسب، للشيخ الأنصاري: ٥ / ١٨٥)
(٣) (الموسوعة الفقهية: ٩ / ١٨٦)
(٤) (المكاسب: ٥ / ١٨٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>