بسم الله الرحمن الرحيم ... الشكر لله أولا ثم لفضيلة رئيس الجلسة وللإخوة. وفي القرآن العظيم {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} ، الشكر للإخوة جميعا الذين خالفوني والذين وافقوني ولا أتوقع أن يتفق على أمر اجتهادي كهذا. فالأمور الاجتهادية بطبيعتها لابد أن يختلف فيها. ولا أدعى أن رأيي هو الصواب بل أقصى ما أقوله ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
أقصى ما يقوله إنسان يجتهد ولا أدعى أنى من المجتهدين، إنما الاجتهاد الجزئي قال به أغلب الأصوليين أن يجتهد الإنسان في مسألة أو موضوع فهذا لا يمانع فيه أحد. وأعتقد أن مهمة مجمعنا هذا هو الاجتهاد الجزئي على الأقل في المسائل التي تعرض عليه سواء كان الاجتهاد هذا اجتهادا ترجيحيا انتقائيا أم اجتهادًا إبداعيا إنشائيا. ففي المسائل التي عرفها السابقون يكون اجتهادنا انتقائيا وفي المسائل الجديدة جدة مطلقة يكون اجتهادنا إنشائيا. وأنا أرى أن اجتهادنا هنا هو من النوع الانتقائي لأن المسألة قد قيلت فيها أقوال كما ذكرت في المذاهب المختلفة وإن لم يكن ذلك هو المفتى به. لأن الشيخ عبد الله ينكر أن يكون للسلف فيها رأي، مع أن الشيخ زروق ذكر في شرح الرسالة رأيا عن بعض المالكية أن يكون في غلة هذه الأشياء، صحيح ليس هو الرأي المشهور، وليس هو الرأي المفتى به، ولكن كم من آراء كانت مهجورة ثم شهرت وكم من آراء كانت ميتة مقبورة ثم حييت، كم من آراء، ولذلك اختلفت التصحيحات والترجيحات في المذاهب المختلفة على طوال العصور، ثم إنه من المقرر أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، لماذا تتغير الفتوى، ليس الحكم الشرعي، أي أن هناك أشياء تجد تجعل المجتهد بغير رأيه حتى أن بعض الأئمة غيروا آراءهم في حياتهم، رويت عن الإمام مالك روايات عديدة في المسألة الواحدة، والإمام أبو حنيفة رجع عن بعض أشياء حتى قبيل موته بأيام، وخالفه أصحابه في نحو ثلث المذهب وكثيرا ما قال الحنفية في اختلاف أبي يوسف ومحمد عن شيخهما، هذا اختلاف عصر وأوان وليس اختلاف حجة وبرهان. فإذا كان هذا في وقت قريب مثل وقت الصاحبين مع شيخهما، فكيف والوقت بيننا وبين الأئمة المجتهدين وبين عصور الاجتهاد وقت طويل والحياة لم تعد رتيبة كما كانت، ولكن تغيرت.